الحجاب في التاريخ اليهوديّ

الحجاب قبل زمن المسيح ابن مريم:

رغم ندرة الآثار المتاحة حول لباس اليهوديات في زمن ما قبل المسيح, فإنّه بإمكاننا من خلال تجميع الشذرات المتاحة أن نستنبط أنّ اليهوديات كن يغطين رؤوسهن وفي أحيان وجوههن, فقد جاء في كتاب: ((مدخل عام إلى الأسفار المقدسة)) ((A General Introduction to the Sacred Scriptures)) في مبحث ((لباس العبريات)) أنّ: ((النساء اليهوديات واليونانيات لم يكن يظهرن أبدًا في الأماكن العامة دون خمار.))[1]. ويَذكر هذا الكتاب أنّ من أسمائه: ((צמה)) و((רעלה)) و((צע’ף)).[2] ويوضّح حدوده بقوله: ((الحجاب العبري القديم كان في بعض الأحيان كبيرًا إلى درجة أنه كان يغطي كامل البدن.))[3]

الحجاب زمن المسيح ابن مريم وأثناء القرون الوسطى:

أكّد ((أدمون ستابفر)) ((Edmond Stapfer)) في كتابه عن فلسطين زمن المسيح, أنّ اليهوديات كنّ لا يخرحن إلى الشارع إلاّ ورؤوسهن مغطّاة بالكامل [4], وشهد ((معجم تندل للكتاب المقدس)) أنّ النساء اليهوديات في زمن ((بولس)) كنّ دائما يغطين رؤوسهن في الأماكن العامة.[5] وكانت اليهوديات في آخر القرن التالي له (القرن الثاني), بشهادة ((ترتليان)) النصراني, يُعرفن بارتدائهن الحجاب في الأماكن العامة, فقد قال: ((من السائد عند اليهود أن تكون رؤوس نسائهن مغطاة؛ حتّى يُعرفن.)) ((Apud Iudaeos tam sollemne est feminis eorum uelamen capitis ut inde noscantur)) [6]

كما شهد المعجم الكتابي ((Dictionary of Judaism in the Biblical Period)) أنّ العملات التي أصدرها الإمبراطور الروماني ((فسباين)) ((Vespasian)) والمسمّاة ((Judaea Capta coins)) والتي احتفى فيها باحتلال منطقة ((اليهوديّة)) و((تــدمير الهيكل)) على يد ((تيطس)) سنة 70م, تظهر أنّ الحجاب كان ((جزءًا من الملابس الخارجيّة)) [7]..

hijab1

ويخبرنا الحبر ((راشي)) عن حال اليهوديات في زمانه فقال: ((تخرج النساء الإسرائيليات في البلاد العربيّة منتقبات (רעולות), في حين أنّ اليهوديات في الهند يخرجن وهن لابسات عباءة وقد شددنها بأفواههن.))[8]

اعتبرت المرأة الكاشفة رأسها خلال عهد التنايتِك[9] أنها تهين حشمتها. وإذا خرجت بدون غطاء رأس؛ تغرّم بأربعمائة (زوزيم) لهذه الجريمة.[10]

ومن خلال ما وفّرته لنا مخطوطات ((جنيزة))؛ فإنّه بإمكاننا أن نقول إنّ المرأة اليهوديّة كانت تغطّي (أحيانًا على الأقل) وجهها في القرن الحادي عشر؛ فطبق ما قاله ((جويتن)) فإنّ عَقدًا أبرمه أحد اليهود القرّائين في فلسطين في 26 يناير 1028م جاء فيه أنّ من المقتنيات التي أحضرتها الزوجة إلى بيت زوجها, أعدادًا من الخُمُر وأغطية الوجه وثيابًا طويلة تصل إلى الأرض. وفي وثيقة أخرى لزواج أحد الحاخاميين في الفسطاط (القاهرة القديمة) كان ((الخمار)) أحد المقتنيات المذكورة في العقد.[11]

ويلخّص الحبر ((Shmuel Herzfeld)) [12] الحال في القرون الوسطى, بقوله: ((كانت النساء في القرون الوسطى يغطين أجزاء من شعورهن طوال الوقت, داخل بيوتهن وخارجها, باستثناء فترة قصيرة من القرن الثاني عشر. وقد كان كشفهن لرؤوسهن عندما يسرن في الخارج يعتبر فعلاً شنيعًا جدًا.))[13]

الحجاب في العصر الحديث:

تقول الموسوعة اليهوديّة ((The Oxford Dictionary of the Jewish Religion)): ((في الأزمنة الحديثة, تغطي الأرثودكسيّات (أي المتديّنات) المتزوّجات رؤوسهن بباروكة أو خمار إذا كنّ في مكان عام.. تحلق النساء رؤوسهن قبل الزواج في التجمعـات الحسيدية[14], ويرتدين خمارًا. وتغطي غير المتزوجة في اليمن أيضًا رأسها.))[15]

وتحدّث الحبر ((ماير شلّر)) ((Mayer Schiller)) عن واقع المرأة اليهوديّة اليوم؛ فبيّن أنّ هناك من اليهوديّات من يرفضن ارتداء الباروكة ويرين وجوب تغطية الشعر كاملاً بشال, وهي ظاهرة معروفة عند اليهوديات الهنغاريات, ومنهن من يغطين رؤوسهن بشال, ويضعن في مقدم الرأس جزءًا من باروكة بادية على أنّها ليست شعرًا حقيقيًا, وهو مسلك اليهوديات في العائلات اليهوديّة الحاخاميّة في أوكرانيا, وقد أجازه بعض الأحبار كالحبر ((يعقوب أمدن)). ومنهن من يلبسن باروكة يضعن فوقها قبّعة, وهناك من يلبسن باروكة لتغطية الرأسٍ كما هو بين اليهوديات البولنديات والليتوانيات الحسيديات, وهو أيضًا عرف يهوديات ألمانيا. [16]

صورة غلاف المعجم الكتابي الشهير ((A Dictionary of the Bible)) طبعة 1908م

وفيه صور باليد لما كان عليه أهل الكتاب من قبل (لاحظ النقاب وغطاء الرأس!)

hijab2

[1] Joseph Dixon, A General Introduction to the sacred Scriptures, Baltimore: John Murphy and Company, 1853, 2/163

[2] المصدر السابق

[3] المصدر السابق

[4] Edmond Stapfer, La Palestine au temps de Jésus-Christ d’apres le Nouveau Testament, l’historien Flavius Joséphe et les Talmuds , Paris: Librairie Fischbacher, 1892, p.149

[5] انظر؛ Walter A. Elwell and Philip W. Confort, Tyndale Bible Dictionary, Ill: : Tyndale House Publishers,1001, p. 328

[6] الترجمة الإنجليزيّة, Tertullian, ‘De Corona,’ in the Ante-Nicene Fathers, Buffalo: The Christian Literature Publishing Company, 1887 ,3/95

انظر؛ Shaye J. D. Cohen, The Beginnings of Jewishness: Boundaries, Varieties, Uncertainties, California: University of California Press, 1999, p. 31

[7] Jacob Neusner. ed. Chief, Dictionary of Judaism in the Biblical Period:450 B.C.E. to 600 C.E., New York: Macmillan Library Reference, 1996, 2/656

[8] James Hastings, ed. A Dictionary of the Bible,Hawaii: The Minerva Group, 2004, 4/848

[9] تنايتك Tannaitic: من الكلمة العبريّة ((تنايم)) ((תנאים)) وهم حكماء الحاخاميين اليهود الذين سجّلت أقوالهم في التلمود. وتمتد فترة (( التنايتك)) في التعريف الشائع عند النقاد من سنة 10م إلى سنة 220م, وتبدأ من تلاميذ ((شاماي)) و((هلِّل)) وتنتهي عند معاصري الحبر ((يهوذا هانازي)). (انظر؛ Benno Przybylski, Righteousness in Matthew and his World of Thought, New York: Cambridge University Press, 2004, p.39)

[10] Menachaem M. Brayer, op. cit., p.139

[11] انظر؛ Fadwa El Guindi, Veil: Modesty, privacy and Resistance, NY: Berg Publishers, 1999, p.750

[12] Shmuel Herzfeld ولد سنة 1974م: حبر يهودي أرثودكسي. يرأس (الكنيس القومي) في العاصمة الأمريكيّة واشنطن دي سي. له عدد من الأبحاث والمقالات.

[13] Shmuel Herzfeld, op. cit.

[14] الحسيدية من العبريّة ((חסידות)) أي ((تقوى)), تيار ديني يهودي محافظ, أسس في القرن الثامن عشر ميلاديًا في شرق أوروبا. له وجود ظاهر في فلسطين المحتلّة بين الجماعات المحافظة.

[15] The Oxford Dictionary of the Jewish Religion , p.180

[16] انظر؛M. Schiller, op. cit.,102-103

© ARICR.ORG جميع الحقوق محفوظة لمبادرة البحث العلمي لمقارنة الأديان