يقول المعترض .. :((إنّ الإسلام يمتهن المرأة ويحطّ من قدرها ويسومها من كأس الصَغار صنوفًا؛ حتى إنّه يرى أنّها عورة تستقذر العين النظر إليها؛ فلا بدّ أن تمنع عن أعين الرجال!!!))
((إنّ القرآن يشينها بقوله : {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون} [1] ))
الجواب:
أولًا/ ما هي كرامة المرأة التي يخشى المعترض أن تُهدر إن لبست المرأة الحجاب؟!!
هل كرامتها التي يجب أن تصان, هي إثبات حقّها في أن تتعرّى, وتكشف مفاتنها, وتخاطب غرائز الرجال بلغة الإثارة؟!
هل صميم كرامتها هو في أن تشغل وقتها في التزيّن والتعطّر واللهاث وراء (تقليعات) التسريحات والفساتين؛ حتى تلوي أعناق الرجال في الطرقات والمحلاّت العامة؟!
هل لبّ كرامتها هو في أن تُختزل في لحمها وألوان ثيابها؟!
هل عين كرامتها هي في نضارة شبابها التي ينتشي بها الباحثون عمّا يفتن العيون؟!
عن أيّة كرامة يتحدّث المعترض؟!
أين كرامة إنسانيّة المرأة؟!
أين شرف عقل المرأة؟!
أين قيمة المرأة الأم؟!
القضيّة عند هؤلاء, لا تخرج عن اثنين .. إمّا ترديد ببغائيّ لما يقوله الدسّاسون دون وعي ..! أو عمالة عن وعي وتدبير!
لقد ظلّ هؤلاء الذين يدّعون نصرة المرأة, يحاربون الحجاب على أنّه يقمع حقّ المرأة في الاختيار, ويجبرها على أن تفعل ما لا تريد .. ولمّا أعلنت فرنسا عدوانها على الحجاب بمنع البنت التي تغطّي رأسها بقطعة قماش من طلب العلم في المدارس والجامعات ولو أقسمت لهم بالذات المقدّسة والأيمان المغلّظة أنّها ترتدي الحجاب عن قناعة ويقين وحبّ, سكت دعاة (حريّة) المرأة وحقّها في (الاختيار) .. فأين إذن ذهبت (كرامة المرأة) التي يدافعون عنها ويدفعون عنها-بزعمهم- عدوان (الظلاميين)؟ أليس حقّ المرأة عندهم في أن تغطّي رأسها جزءًا من كرامتها الآدميّة .. أم أنّ كرامة المرأة لا تلتقي مع (الستر), وإنّما هي فقط موصولة (بالعري)؟!!
ولمّا كان الصِرب يقتلون النساء المسلمات في كوسوفا, ويذبحونهن بعد اغتصابهن بصورة جماعيّة أمام أولادهن .. وبعضهن قد فتحت بطونهن, ووضعت فيها أجنّة كلاب .. أين كان عندها من يدافعون في بلادنا عن (كرامة المرأة) المنتهكة –بزعمهم- من الحجاب الإسلامي؟!![2]
هل ارتداء المسلمة الحجاب, هو أمر (يغتال) كرامتها .. في حين أن اغتصاب المرأة الواحدة من العشرات هو أمر فيه نظر, لأنه لا يكاد يخدش من قيمتها شيئًا؟؟!
بأيّة حجّة –بربّكم- تتحدّثون ؟
حقّ المرأة في أن تغطّي جسدها هو أمر يسقط كرامتها .. واستعمالها في إعلانات الشامبو, والصابون, وإطارات السيارات, وشفرات الحلاقة, ومعجون الأسنان, وأدوات المطبخ, باستثارة أعين الرجال إلى مفاتنها من أعلى رأسها إلى أخمص قدميها .. هو أمر لا يمسّ من كرامة المرأة شيئًا؟!!!
ما هذا الميزان المنكوس!
ستر المرأة جسدها, هو أمر ينال من كرامتها .. واسترقاق بنت الثامنة عشرة ربيعًا, بأن تُجبر على (ريجيم) قاس حتّى لا يتجاوز وزنها كذا رطلاً, ولا يتعدّى مقاس خصرها كذا سنتمترًا .. ولا يبلغ طول وعرض كذا وكذا .. حتّى تثير إعجاب الناظرين إليها وهي تلبس الملابس الشفافة على ركح عرض الأزياء الجديدة .. ذاك أمر لا ينال من كرامتها شيئًا!!
إنّ كرامة الأنثى لهي في أن تُربّى صغيرة في كنف أسرة صالحة, على الحقّ والخير .. وتتزوّج من الرجل المؤمن البرّ .. ويُحرس أبناؤها من غوائل الفساد .. وهي في أثناء كلّ ذلك تنهل من فيض العلم النافع, وتدعو الناس إلى العمل الصالح!
إنّ كرامة الأنثى لهي في أن تمنع من أن تُفتن .. وألاّ تتخذ أداة للفتنة!
إنّ كرامة المرأة لهي في أن تعبد ربّها على بصيرة .. لا أن تساق إلى الهلاك في الآخرة تحت شعار حقّها في كشف عوراتها!
ولله درّ الصحفيّة الشهيرة المهتدية إلى الإسلام ((إيفون ردلي)) ((Yvonne Ridley)), وهي –الشقراء البريطانيّة- تقول في نسف هذه الدعوى: ((التفوّق في الإسلام يتحقّق بالتقوى, لا الجمال, ولا الثروة, ولا القوّة, ولا المقام, ولا الجنس.
قولي لي الآن, أيّهما أكثر نزوعًا للتحرير؛ أن يُحكم عليكِ تبعًا لطول تنورتك وحجم صدرك الذي كبّرتيه بعملية تجميل, أو أن يحكم عليكِ تبعًا لشخصيتك وعقلك وذكائك؟
تخبرنا المجلاّت الناعمة نحن كنساء أنّنا إن لم نكن طويلات ونحيلات وجميلات, فسنكون غير محبوبات ولا مرغوب فينا.)) [3]
ثمّ –في المقابل- إن الإسلام يلزم الرجل بألاّ يكشف ما بين السرّة والركبة, وأن يطلق لحيته, وألاّ يخالط النساء, وألاّ يصافح من لَسْنَ من محارمه .. فلِمَ لا يقال إنّ هذه الأحكام تمتهن كرامته؟!! أم إنّ أحكام لباس المرأة وسلوكها, هي فقط محلّ ريبة!!
ثانيا/ هل حققت النماذج الغربيّة للمرأة الكرامة التي رفعت قيمتها, وحققت لها سعادتها؟
أجيب بلغة أرقام: تخبرنا إحدى المكاتب الرسميّة الأمريكيّة في إحصائيّة لسنة 2007م حول الوظائف التي شغلتها المرأة في الولايات المتحدة الأمريكيّة سنة 2007م, أنّ:
96.7% ممن يعملون في وظيفة (سكرتير) وإعانة إدارية, نساء!
75,6% من المحاسبين في المحلات, نساء!
74% من النوادل في المطاعم, نساء!
93% من موظفي الاستقبال, نساء!
68,5% من موظفي خدمة الزبائن, نساء!
89,2% من الخدم وعمال النظافة, نساء!
92,9 من مصففي الشعر والتجميل, نساء![4]
وتجيبنا مرّة أخرى ((إيفون ردلي)) بقولها: ((كان النساء يعامَلن على أنّهن كائنات أدنى, حتى جاء الإسلام. في الحقيقة, نحن النساء لازلنا نعاني في الغرب حيث يعتقد الرجال أنّهم أرقى من النساء. وهذا أمر من الممكن أن نراه في نظم الترقية والرواتب, من عاملات التنظيف إلى النساء في مجالس الإدارة.
النساء الغربيّات لازالن يعاملن كسلعة, حيث الاستعباد الجنسي في علوّ, وإن كان يتغطّى تحت كنايات تسويقيّة حيث تروّج أجساد النساء عبر عالم الإعلانات. كما ذكرت ذلك سابقًا, فإنّ هذا مجتمعٌ حيث الاغتصاب والتحرّش الجنسي والعنف ضد المرأة؛ أمور عادية. مجتمع, المساواة فيه بين الرجل والمرأة ليست إلاّ خديعة. مجتمع, حيث قوّة المرأة أو تأثيرها متصلٌ في الأغلب بحجم نهديها. ))[5]
وشهدت شاهدة من بلاد الغرب ..! وأرجو ألاّ يلومها أحد على عبارتها التي قد تبدو (فاقعة) عند البعض؛ فإنّ هذه (المثقّفة) (الشجاعة) قد اكتوت بنار (تشييء) المرأة, وإعدام قيمة الأنوثة فيها خارج (الدائرة الجنسيّة)!
ثالثا/ إنّ من يُسأل بحقّ عن موقفه النفسي من الحجاب: أهو مقبرة لآدميّته أم معراج لإنسانيّته, لهي المرأة نفسها, لا أن تلقّن المرأة ما (يحسن!) بها أن تقوله على ألسنة الليبراليين والمنصّرين[6] .. وهاهي المرأة المسلمة تشهد في إحصائيّة قامت بها منظمة غربيّة (The Gallup Organization) تحت عنوان: ((ماذا تريد النساء: الاستماع إلى أصوات النساء المسلمات)) (( What Women Want: Listening to the voices of Muslim Women)) في سنة 2005, لغير ما أراد القوم منها .. فقد ثبت في هذه الإحصائيّة التي شملت 8000 امرأة في ثماني دول, أنّ الحجاب والنقاب لم يعتبرا من مظاهر الظلم كما يقول التغريبيون عندنا. واختار جلّ النساء المستفتَيات القول إنّ أكثر ما يسوؤهنّ من الحضارة الغربيّة هو الفساد القيمي والتحلّل الأخلاقي.[7]
كما تشهد حالات الامتعاض في الغرب من التضييق على المحجّبات, أنّ من يقود حملات المعارضة للتضيق على اللباس الإسلامي هن المسلمات أنفسهن, وجلّهن من الشابات, ومنهن مسلمات غربيات.. فكيف يكون الحجاب مع ذلك في واقع المرأة عنوان إذلال أو أثقال أغلال؟! أين هذه المحنة المزعومة؟!! وأين الحجر على حقوق النساء المدّعى!!! إنّها تجارة الوهم, وأفكارٌ رصيدها الوهن!
إنّ النزعة العدوانيّة نحو الحجاب باعتباره علامة امتهان للمرأة، ليست إلاّ إحدى إفرازات الجهل والخضوع لأنماط التفكير (المصنّعة) و(المعلّبة) التي تفرضها وسائل الإعلام الخاضعة لمؤسسات (مؤدلجَة) ذات برنامج (مدفوع الأجر)؛ وهو ما اعترفت به الكاتبة الكنديّة المسلمة ((كاثرين بلّوك)) ((Katherine Bullock)) في مقدمة كتابها ((Rethinking Muslim Women and the Veil: Challenging Historical and Modern Stereotypes)) – أصله أطروحة دكتوراه- الذي دافعت فيه عن الحجاب, وفكّكت فيه الخطاب الغربي, ونسفت دعاويه المختلقة:
((شاهدتُ سنة1991م تقريرًا إخباريًا على التلفزيون يظهر النساء التركيات العائدات إلى الحجاب. شعرت بالصدمة والحزن لأجلهن. وقلت في نفسي: ((إنهن مسكينات, لقد غُسِلت أدمغتهن بما تقدمه ثقافتهن.)) لقد كنت أعتقد –ككثير من الأوروبيين- أنّ الإسلام يضطهد النساء, وأنّ الحجاب هو رمز اضطهادهن. تصوّروا إذن المفاجأة التي وقعت لي بعد أربع سنوات وأنا أرى نفسي على مرآة محلّ, مرتديةً لباسًا يماثل تمامًا لباس أولئك النسوة المضطهدات. لقد انطلقت في رحلة روحيّة خلال مرحلة الماجستير؛ كانت نتيجتها بعد أربع سنوات, اعتناقي الإسلام. تضمّنت الرحلة انتقالي من بغض الإسلام إلى احترامه ثم الاهتمام به, إلى قبوله.)) [8]
إنّه الانتقال من التفكير (بخلايا مخدّرة) إلى التفكير (بعقل مبصر)!!
1] سورة النور / الآية (31)
[2] واجه د. ((محمد عمارة)) بهذا السؤال زعيمة النسويات العربيات ((نوال السعداوي)) في حوار تلفزيوني؛ فلم تردّ جوابًا!!
[3] Yvonne Ridley, How I came to Love the Veil
من موقع الكاتبة:
http://yvonneridley.org/yvonne-ridley/articles/how-i-came-to-love-the-veil-4.html
[4] رابط الإحصائيّة من الموقع الرسمي:
http://www.dol.gov/wb/factsheets/20lead2007.htm (11/25/2009)
[5] Yvonne Ridley, How I came to Love the Veil
[6] رغم أنّ الدراسات النسويّة تقوم على اعتبار (المرأة) المصدرَ الوحيد لفهم )المرأة( فهي: (الموضوع) و(المعيار) كما تقول ((دوروثي سميث)) ((Dorothy Smith)), إلاّ أنّه –كما يذكر ذلك العديد من النسويات- يستثنى من ذلك العالم الثالث, والسود, والنساء المسلمات! (انظر؛ Katherine Bullock, op. cit, p.39)
[7] انظر؛ Ali Shehata, Heather El Khiyari and Julie S. Mair, Demystifying Islam: Your Guide to the Most Misunderstood Religion of the 21st Century, Florida: Elysium River Press, 2007, p.265
[8] Katherine Bullock, op. cit., p.xiii