خلق الزمان في ميزان العلم

لم يكن الدليل على وجود الله أبدًا أوضح ولا أقوى مما هو الآن.

__الفيلسوف روبرت س. كونز، “العلم والإيمان بالله: توافق أم تصارع”، ص73

يتّفق المؤلّهة وعامة الملاحدة أنّه يلزم من الإقرار بخلق الكون، الإقرار بوجود الله، ولذلك كان الملاحدة طوال تاريخهم يرون أنّ دعوى أزليّة المادة هي من أقوى حججهم، وهو مذهب عامة الفلاسفة وعلماء الفلك طوال تاريخ الفلسفة وعلم الفلك حتى بداية القرن العشرين، إذا استثنينا علم الفلك في العالم الإسلامي مما لم يتأثّر منه بالفلسفة اليونانيّة.

مع إطلالة القرن العشرين، انقلب الحال، وصار العلم المادي إلى صفّ القائلين بأنّ الكون حادث: وُجد بعد أن لم يكن. وقد كان من آثار ذلك:

  1. تأكيد الدليل الفلسفي على خلق الزمان والمكان.
  2. إحراج الملاحدة، وهو ما جعل رؤوسهم يتخبطون للخروج من هذه الورطة.

تولّى علم الكوسمولوجيا إبطال دعوى أزلية المادة والزمان، وهو علم يُعنى بأصل الكون وتطوّره. ومما يتصل بالبحث في أصلهِ، دراسة بدايته، إن كانت له بداية. وهو علم لا ينطلق من مقررات دينية سالفة، وإنّما يبدأ من المادة وينتهي إليها. ومن نتائج هذا العلم الإفادة في إجابة عدد من الأسئلة العقدية الكبرى، كحاجة الكون إلى خالق أو استغنائه بنفسه عن ذلك.

رأي علماء الكوسمولوجيا في خلق الكون

يكاد يجمع علماء الكوسمولوجيا على أنّه منذ 13.7/13.8 بليون سنة[1] حصلت فرقعة[2] عظيمة، سمّيت بـ(الانفجار العظيم). لم ينشأ هذا الانفجار في مكان ولا زمان، وإنما نشأ المكان والزمان بسبب هذا الانفجار، فالانفجار ظهر به المكان والزمان. لم يكن هناك شيء قبل هذا الانفجار، وإنما به وُجد الشيء. أمّا المكان فخرج إلى حيّز الوجود، وبدأ في التمدّد، وأمّا الزمان فبدأت ساعاته في التتابع.

ظهرت أولى النظريات العلميّة التي تقرّر أنّ للكون بداية وعمرًا محددًا مع دراسات الديناميكا الحرارية في القرن التاسع عشر، والتي تقرّر أنّه يلزم من أزليّة الكون أن يكون قد وصل إلى مرحلة التوازن الحراري بما يمنع حدوث أي تفاعل حراري جديد، لتمتنع بذلك الحياة، وهو خلاف المشهود في الأرض وفي الكون.

اتّجه علماء الكون بعد ذلك إلى النظر في تكوين نموذج كوسمولوجي عام، فقدّم (أينشتاين) سنة 1917م نموذجه القائم على نظريّته في النسبيّة العامة، غير أنّه اضطرّ إلى أن يعدّل في معادلاته لتتوافق مع نظريته في (الكون الساكن) (Static Universe) التي تقرّر أزليّة الكون. وقد اكتشف عالم الأرصاد الجوية الروسي (ألكسندر فريدمان) (Alexander Friedmann) سنة 1922م خطأ حسابيًا بسيطًا في معادلة أينشتاين، وبتصحيحه تنتهي معادلة (أينشتاين) إلى كون غير مستقر. [3]11

وقد سلف من (فستو سلفر) (Vesto Slipher) تصريحه سنة 1914م في اجتماع (للاتحاد الفلكي الأمريكي) اكتشافه “صدفة” أنّ عددًا من السدم يبتعد عن الأرض بسرعة عالية جدًا.[4] لم يلق المستمعون عندها لكلام (سلفر) بالًا، غير أنّ شابًا اسمه (أدون هابل) (Edwin Hubble) اهتم بمعرفة سرّ هذه الحركة الفلكية غير المعروفة. وقد تمكّن من تحقيق حلمه من خلال المرصد الذي بني حديثًا على جبل (ويلسن)، فقد استطاع أن يصوّر أحد السدم، وتمكّن بذلك من التأكّد من صدق ملاحظة (سلفر)، غير أنّه اكتشف أنّ المجرّات هي أيضًا تبتعد عن الأرض.

لم يقف بحث (هابل) عند ذاك الحدّ وإنّما أعلن سنة 1929م اكتشافه ما يعرف (بقانون الانزياحات الحمراء) (law of red shifts)، وكان هذا الاكتشاف أحد التوقعات الأساسية لنموذج التوسّع الكوني. وهو يتلخّص في أنّ السرعة التي تبتعد بها مجرة من المجرات عنّا تتناسب تناسبًا طرديًا مع المسافة بينها وبين الأرض.[5]

في نفس تلك الفترة، أي العقد الثالث من القرن العشرين، قدّم العالم البلجيكي (جورج لوماتر) (Georges Lemaître) فرضية بداية الكون المتوسّع من خلال انفجار، وقد سمّاها (نظرية الذرة الأوّلية) (Théorie de l’Atome Primitif)، غير أنها اشتهرت باسم (الانفجار العظيم) تبعًا للاسم الذي أطلقه عليها (فريد هويل) (Fred Hoyle) سنة 1949م. وكان قد اكتشف توسّع الكون قبل (هابل)، ونشر في ذلك مقالًا سنة 1927م في دورية “Annales de la Société scientifique de Bruxelles“. كما توقّع أن تدلّ الأشعة الكونيّة على تاريخ الكون في أوّله. وقد افترض أنّ الكون المتوسّع كان منقبضًا في بدايته في نقطة واحدة، انفجر منها بعد ذلك، وكانت حرارة الكون في بدايته عالية جدًا.

دلّت سابقًا معادلات (أينشتاين) وحلول (ألكسندر فريدمان) أنّ الكون في بدايته كان أشبه بالفرن الساخن جدًا حيث تبلغ درجته ملايين الملايين، ثمّ بدأ في التبرّد التدريجي بعد ذلك. وقد قام الفيزيائي الروسي (جورج جاموف) (George Gamow) بوضع سيناريو لتاريخ الكون منذ بدايته انطلاقًا من ذلك،[6] وكانت المفاجأة الكبرى هي اكتشاف (إشعاع الخلفية الكونية الميكروي) (cosmic microwave background radiation) سنة 1964م، بما أثبت صدق توقّعات (جاموف) الذي تنبّأ نموذجه التاريخي بوجوده.[7] وقد نال (أرنو بنزياس) (Arno Penzias) و(روبرت ويلسن) (Robert Wilson) بسبب هذا الاكتشاف جائزة نوبل سنة 1978م.

وقد تأكّد هذا الكشف مرّة أخرى بتحليل نتائج مسبار (مستكشف الخلفية الكونية) (Cosmic Background Explorer)=(COBE)، وقد أشرف على هذا التحليل كل من (جورج سموت) (George Smoot) و(جون ماثر) (John Mather)، ونالا لأجل ذلك جائزة نوبل سنة 2006م.[8] ويعتبر هذا المسبار علامة على تطوّر دقّة الأبحاث الكونيّة، وقد كشف -بدقّة أعلى- عن انتشار إشعاع الخلفية الكونية في الكون.

لقد كان هذا الاكتشاف مفاجأة للعقل العلمي وصادمًا للعقل الفلسفي الغربي، ولذلك قال عالم الفيزياء النظرية (جون ويلر) (John Wheeler) كلمته الشهيرة: “من بين كلّ النبوءات الكبيرة التي قدّمها العلم على مدى قرون، هل كانت هناك واحدة أعظم من هذه: أن تتنبّأ، وأن تصيب في تنبّئك، وأن يكون تنبؤك ضد كلّ التوقعات لظاهرة رائعة مثل توسّع الكون؟!”[9]

أدى الكشف عن أدلّة علمية لحدوث الكون، خاصة من خلال تمدّده، إلى ظهور محاولات في العقد الثالث من القرن العشرين لتجاوز مشكلة البداية، غير أنه من بين كلّ النظريات المطروحة، لم تنل غير (نظرية الحال الثابتة) (The Steady State Theory) لـ(فريد هويل) تقدير العلماء، وهي تقرر أنّه مع تمدد الكون تنشأ مادة جديدة بين الكواكب المتباعدة. وتمثل هذه النظرية امتدادًا لفكر القرن التاسع عشر القاضي بأزليّة الكون.

ومع نهاية النصف الأول من القرن العشرين لم يبق من النظريات الجادة المتنافسة غير نظرية (هويل) و(نظرية الانفجار العظيم) التي تقرّر أنّه يلزم من اعتقاد تمدّد الكون في المستقبل أنّ أجزاء الكون كانت أقرب إلى بعضها كلّما رجعنا إلى الخلف في الزمن، حتى يعود كلّ شيء إلى )مفردة( (singularity) منها تفجّر المكان.

استمرّ الخلاف بين النظريتين فترة من الزمن، رغم أنّ (نظرية الحال الثابتة)، لم تقدّم –كما يقول مؤرّخ العلوم (أس.ل. جاكي) (S. L. Jaki)- دليلًا تجريبيًّا واحدًا،[10] ولم توهَب روح الحياة والمدافعة إلّا بسبب خصومتها للتفسير الديني للنظرية الأشهر،[11] غير أنّ الاكتشافات الكونية أثبتت صحّة نبوءات (نظرية الانفجار العظيم)، وكان كشف وجود (إشعاع الخلفية الكونية الميكروي) سنة 1964م أقوى دعم لـ(نظرية الانفجار).

لم تستطع (نظرية الحال الثابتة) أن تثبت بعد تقدّم (نظرية الانفجار العظيم) أيضًا بسبب مشاكلها الداخلية، فبالإضافة إلى فقدانها الأدلة الإيجابية لصحّتها، تقف الأدلة العلمية ضدّها، ومنها:

  • عدم وجود مجرّات قديمة جدًا في محيط مجرّتنا، ينفي أن يكون الكون أزليًا.
  • عدم وجود مجرات صغيرة جدًا في محيط مجرتنا، ينفي الخلق العفوي المستمر.
  • ندرة الانزياحات الحمراء وراء z =5 تقتضي وجود حدّ حقيقي للكون أدنى من الحد البصري المتوقّع من كون لانهائي ثابت.
  • تفتقد النظرية لآلية مادية (مثل الانفجار الأوّلي) لقيادة التوسّع المبصَر للكون.
  • (إشعاع الخلفية الكونية الميكروي) المدرَك -والذي يتناسق تمامًا مع تصوّر تبريد الكرة النارية البدائية- يتحدى قصّة الكون كما تقدّمها ” نظرية الحال الثابتة”.
  • عدم الانتظام الهائل (enormous entropy) للكون لا معنى له في (نظرية الحال الثابتة).
  • وفرة (الهليوم) في الكون توافق ما تنبأت به (نظرية الانفجار العظيم) لا (نظرية الحال الثابتة).
  • لا تقدّم (نظرية الحال الثابتة) تفسيرًا للوفرة المعروفة (للديوتريوم) و(الهليوم الخفيف) و(الليثيوم)، وفي المقابل تقبل هذه الظاهرة التفسير السلس في سيناريو (الانفجار العظيم) الحار. [12]

لقد أدّى ظهور فساد (نظرية الحال الثابتة)، وعجز مخزونها النبوئي، إلى أن ينصرف عامة أنصارها عنها إلى (نظرية الانفجار العظيم) التي نجحت في ما فشلت فيه النظرية الأخرى، ومن هؤلاء (أرنو بنزياس) القائل: “لقد تبيّن أنّ (نظرية الحال الثابتة) قبيحة جدًا حتّى إنّ الناس لفظوها. كان الطريق الأيسر لمطابقة الملاحظات مع العدد الأقل من المعلمات (parameters) هو الطريق الذي فيه أنّ الكون خُلق من لاشيء، في لحظة، وبقي يتّسع.” [13]

أدلة نظرية الانفجار العظيم

كان رأي علماء الفلك حتى نهاية العقد الثاني من القرن العشرين أنّ الكون أزلي بلا بداية، غير أنّ صعود نجم (نظرية الانفجار) قلب الرأي العام العلمي إلى نقيضه بعد تراكم الأدلة الفيزيائية والرياضية على الانفجار الخلقي الأوّل. لقد انتهى العلماء بعد جهد وصبر إلى ما قرّره عامة اللاهوتيين قبل ذلك بقرون، وهو الأمر الذي صوّره عالم الفيزياء والفلك ورأس علماء وكالة (ناسا) (NASA) -اللاأدري- (روبرت جسترو) (Robert Jastrow) بقوله في موقف تخيّلي ظريف في ختام كتابه الماتع “الله والفلكيون”: “تنتهي القصّة بالنسبة للعالِم (scientist) الذي عاش بإيمانه بقوّة العقل، كمنامٍ سيء. لقد تسلّق جبال الجهل، ويكاد يقهر أعلى قمّة، وبينما هو يرفع نفسه إلى الصخرة الأخيرة، يُفاجأ بتهنئة من جَمْع من اللاهوتيين الجالسين هناك منذ قرون“.[14]

عرض عالم الفيزياء الفلكية الكندي/الأمريكي (هيو روس) (Hugh Ross) ثلاثين دليلًا علميًا على حدوث (الانفجار العظيم) الذي انبثق منه المكان والزمان، وهي دلائل منسّقة على طريقة جيّدة، وموثّقة تفصيلًا من دراسات المتخصصين أصحاب الكشوف والدراسات، ولذلك ارتأينا نقل ملخص معظمها في ما يأتي:

  1. وجود إشعاع الخلفية الكونية وحرارته:

قدّر (رالف ألفر) (Ralph Alpher) و(روبرت هرمان) (Robert Herman) سنة 1948م أنّ تبرّد الكون بعد (الانفجار العظيم) سينتج أشعة كونية بحرارة تقارب 5 كلفن (-455°F)، وقد اكتشفت هذه الأشعة سنة 1965م وكانت حرارتها تقريبًا 3 كلفن (-457°F)، وهي قريبة جدًا من النسبة المتنبَّأ بها.

  1. طابع الجسم الأسود لإشعاع الخلفية الكونية:

الاختلافات بين طيف الإشعاع الخلفي المتنبّأ به والمكتشف لاحقًا بلغ أقلّ من 0.03% على مدى طول الموجات المدرَكة.

  1. نسبة التبريد لإشعاع الخلفية الكونية:

تتنبّأ (نظرية الانفجار العظيم) أنّ الإشعاع الكوني كلّما كان أطول عمرًا كلّما كان أبرد، وكلّما عدنا إلى الماضي من خلال قياس الإشعاعات الأبعد، كلّما ارتفعت حرارة الإشعاع، وهو ما أثبته العمل المرصدي.

  1. التماثل الحراري لإشعاع الخلفية الكونية:

الاختلاف الحراري بين الإشعاعات الكونية من مختلف الجهات لا يتفاوت إلّا بقدر جزء واحد من عشرة آلاف، وهو ما لا يمكن أن يفسّر إلّا بأنّ الإشعاعات الخلفية تعود إلى حدث خلق كوني أوّلي حار جدًا.

  1. نسبة الفوتونات مقارنة بالبريونات في الكون:

نسبة (الفوتونات) مقارنة بـنسبة (البريونات) -البروتونات والنوترونات- في الكون تتجاوز 100 مليون للواحد، وهذا يثبت أنّ الكون في حال أنتروبية عالية جدًا. ولا تفسير لذلك إلّا أنّ الكون كلّه قد تفجّر بسرعة من حال حار وكثيف جدًا.

  1. تموجات الحرارة في إشعاع الخلفية الكونية:

لا بدّ أن تبلغ التموّجات الحرارية في خريطة إشعاع الخلفية الكونية درجة تقارب الواحد من عشرة آلاف حتى تتكون المجرّات وعناقيد المجرّات من انفجار خلقي عظيم. وقد تمّ رصد هذه التموّجات بالنسبة المتنبّأ بها.

  1. قوة طيف التموجات الحرارية في إشعاع الخلفية الكونية:

أكّدت تجربة (بوميرانج) في أبريل 2000م درجات الطيف الحراري لإشعاع الخلفية الكونية المتنبأ بها.

  1. معدّل التوسّع الكوني:

أظهر قياس سرعة المجرات أنّ توسّعًا كونيًا قد بدأ في زمن قريب من الزمن المحدّد للانفجار العظيم.

  1. المدارات المستقرّة للنجوم والكواكب:

المدارات المستقرة للكواكب حول النجوم، وللنجوم حول نواة المجرّة، لا يمكن أن تثبت ماديًا إلّا بعد توسّعات كبيرة وسريعة ثلاثية الأبعاد في المكان.

  1. وجود الحياة والإنسان:

لا بدّ من نظام شمسي مستقر لوجود الحياة والإنسان، وهو ما لا يمكن أن يكون في غير سيناريو الانفجار والتبريد التدرّجي الذي تنبأت به (نظرية الانفجار العظيم).

  1. وفرة الهليوم في الكون:

يتنبّأ نموذج (الانفجار العظيم) أن يتحوّل ربع (الهيدروجين) في الكون إلى (هليوم) في الدقائق الأربع الأولى للخلق. الاحتراق النجمي هو المصدر الوحيد الآخر (للهليوم). وقد قاس العلماء نسبة كثافة (الهليوم) في السحب الغازية والمجرات التي ليس فيها البتة نجوم تحترق أو فيها فقط قليل من ذلك، وحدّدوا بذلك نسبة الهليوم الأوّلية، ووجدوا أنّها قريبة جدًا مما تنبّأت به النظريّة.

  1. وفرة الديوتريوم في الكون:

(الانفجار العظيم) هو فقط القادر على إنتاج (الديوتريوم) -الهيدروجين الثقيل-، أمّا النجوم فتدمّره. وقد أثبتت قياسات (الديوتريوم) في السحب الغازية والمجرات التي ليس فيها البتة نجوم تحترق أو فيها فقط قليل من ذلك، أنّه يلزمنا أن نقرّ أنّ الكون يعود في أصله إلى انفجار أوّل.

  1. وفرة اللثيوم في الكون:

نفس التعليق السابق.

  1. حجج النسبية العامة:

أثبتت نظرية النسبية العامة صحّتها مرارًا وتكرارًا، ولا تصحّ معادلاتها إلّا في كون له بداية، وله طبيعة تمدديّة.

  1. مبرهنة الزمكان للنسبية العامة:

أثبتت مبرهنة رياضية قدمها كلّ من (ستيفن هاوكنغ) و(روجر بنروز) سنة 1970م أنّه إذا كان للكون كتلة، وإذا كانت ديناميكيّته محكومة بقانون النسبية العامة، فلا بدّ عندها أن يكون متناهيًا في الماضي. [15]27

  1. قياسات كثافة الطاقة في الفضاء:

طوّر كلّ من (أينشتاين) و(إدنجتون) نموذجًا كونيًا دون أن يتضمن انفجارًا عظيمًا وذلك بإثبات قوة مضادة للجاذبية سمّاها أينشتاين (الثابت الكوني)، وأثبت لها قدرًا معينًا. تراجع (أينشتاين) بعد ذلك عن نظريّته، غير أنّ علماء أثبتوا بعد عقود وجود هذا الثابت، وتدلّ قيمته التي وصلوا إليها على أنّ للكون بداية.

  1. الأعمار النجمية:

وفقًا لنظرية الانفجار الكبير، ستتكون أنواع مختلفة من النجوم في حقب مختلفة بعد الخلق. وتُخبر الألوان ودرجات حرارة أسطح النجوم عن زمن بداية احتراقها. أعمار هذه النجوم تتوافق مع (نظرية الانفجار العظيم)، ومع بقية قياسات الزمن إلى بداية الانفجار.

  1. أعمار المجرّات:

طبق (نظرية الانفجار العظيم)، لا بدّ أن تتكوّن المجرّات في بدايات الكون، ضمن البلايين الأربعة الأولى. وهو ما يوافق قياسات العلماء.

  1. انخفاض في ازدحام المجرّات:

تتنبّأ (نظرية الانفجار العظيم) أنّ المجرّات تتباعد عن بعضها البعض على مرّ الزمن. وقد أثبتت صور مرصد هابل أنّه كلّما نظرنا بعيدًا إلى الماضي، كلّما كانت المجرّات أكثر تقاربًا. وعند النظر في الثلث الأول من عمر الكون نلاحظ أنّ المجرّات كانت شديدة التقارب، وكأنّها حرفيًا تفكّ أذرعها الحلزونية عن بعض.

  1. صور تاريخ الكون:

تتنبّأ نظرية الانفجار العظيم أنّ جميع المجرات قد نشأت في أوقات متقاربة، ولما كانت المجرات تغيّر شكلها بصورة دراماتيكية مع تقدّمها في العمر، كان شكل أقدمها غير شكل أحدثها، وهو ما أثبتته صور المرصد هابل.

  1. نسبة المادة العادية مقارنة بالمادة الأجنبية:

يتنبّأ نموذج (الانفجار العظيم) أنه لتتكون المجرات والنجوم وتتطوّر حتى توجد منطقة صالحة للحياة الفيزيائية، لا بد أن تتحوّل في الكون نسبة من المادة الأجنبية (التي لا تتفاعل بصورة جيدة مع الإشعاعات) إلى مادة عادية (تتفاعل بصورة جيدة مع الإشعاعات) بمعدّل خمسة أو ستة إلى واحد، وهو ما أثبتته القياسات الحديثة.

  1. وفرة البرليوم والبورون في النجوم الهرمة:

كشف الفلكيون أنّ نسبة (البرليوم) و(البورون) في الكون توافق ما تنبأت به (نظرية الانفجار العظيم).

  1. كثافة المجموعات النجمية الأولى والثانية والثالثة:

يتنبّأ (الانفجار العظيم) أنّه مع توسّع الكون ستظهر ثلاث مجموعات نجمية مختلفة، وأنها في هذه المرحلة العمرية لا بدّ أن تحمل صفات معينة، وهو ما أثبته البحث العلمي.

  1. كثافة الثقوب السوداء والنجوم النوترونية ومكانها ونوعها:

الكون الناشئ عن انفجار عظيم، والذي يسمح بوجود حياة مادية في مكان فيه، من المتوقّع أن ينتج بعد بلايين السنين من احتراق نجومه عدد صغير نسبيًا من (الثقوب السوداء)، وعدد أكبر من (النجوم النيوترونية) في كلّ مجرة. ومن المتوقّع أيضًا أنّ تنتج المجرّات الكبيرة (ثقوبًا سوداء) في مركز لبّها. وقد كشف العلماء (الثقوب السوداء) و(النجوم النيترونية)، وكثافتها، ومكانها.

  1. تشتّت عناقيد المجرات النجمية:

يتنبّأ (الانفجار العظيم) أنه مع توسّع الكون ستنتثر في الكون أنواع مختلفة من المجموعات النجمية والمجرّيّة بدرجات محدّدة تتزايد مع الوقت. ويتنبّأ أيضًا أن المجموعات النجمية الأكثر كثافة لن تتشتت، ومع ذلك “ستتطوّر” السرعات المدارية لنجومها حول مركز المجموعة نحو وضع يسمى بـ(virialization). وقد كشف الرصد الفلكي عن هذه التطورات في تاريخ الكون.

  1. كتلة النيوترينو وطبيعته:

تفترض أفضل نماذج (الانفجار العظيم) أنّ الشكل الأكثر هيمنة من أنواع المادة هو مادة أجنبية تسمّى (المادة المظلمة الباردة). ويدرك العلماء اليوم أنّ (النيوترينات) موجودة بكثافة كبيرة في الكون، وأنها “باردة” ومظلمة”. وتكشف الأبحاث الأحدث أنّ (النيوترينات) تتحوّل من طبيعة ولون إلى آخر. يدلّ هذا التحوّل أنّ جسيم (النيوترينو) لا بدّ أن تكون كتلته أصغر من (الإلكترون) ببلايين وملايين المرات. مثل هذه الأحجام هي التي تفترضها أفضل نماذج (الانفجار العظيم).

  1. الكثافة الكونية للبروتونات والنيوترونات:

أثبتت أربع طرق مختلفة لتحديد كثافة البروتونات والنيوترونات في الكون أنّ النسب التي توصّلت إليها توافق ما توقعه (نموذج الانفجار العظيم) لكون يضمّ نجومًا وكواكب صالحة للحياة. [16]

شهادات علماء الكوسمولوجيا

إنّ القول إنّ هذا العالم مخلوق، له بداية، ليس دعوى عاطفيّة للمتديّنين، ولا هو مجرّد أملٍ إيماني، وإنّما هو حقيقة تؤكّدها الدراسات العلميّة الحديثة والأحدث، وهو مذهب يدرّس في أقسام الكوسمولوجيا والفيزياء الكونية في جميع جامعات العالم. وقد أزعج هذا القول لعقودٍ من يدرّسونه لأنه ينصر الآراء الدينية التي يرفضونها، وفي هذا يقول (روبرت جسترو): “اللاهوتيون عامة مبتهجون ببرهان نشأة الكون، في حين أنّ الفلكيين غاضبون بصورة غريبة. لقد آل الأمر إلى أنّ العلماء (scientists) يتصرّفون على الطريقة التي نتصرّف بها نحن لما تكون اعتقاداتنا مخالفة لما دلّ عليه الدليل”.[17]

إنّ استقراء أقوال العلماء يكشف -كما يقول (ستيورات روبنز) (Stuart Robbins)، المتخصص في الفيزياء الفلكية من جامعة كولورادو- أنّ “(نموذج الانفجار الكبير) لنشأة الكون هو النموذج الأكثر قبولًا”.[18]

عندما يكشف الإلحاد عن قناعه

أهم دعوى (للإلحاد الجديد) هي تأكيده أنه تعبير عن موقف علمي موضوعي يتّبع الدليل حيث يسير. وهو بذلك يقطع مع الخرافات والأذواق والمواجيد التي لا يدعمها العلم المعاصر. المفاجأة الكبرى التي قد تصدم عوام القراء ممن ليس لهم اهتمام بمتابعة الآراء الرائجة والسائدة عند علماء الكوسمولوجيا هي اكتشافهم أنّ (الإلحاد الجديد) قد اختار مخالفة العلم، مخالفة صريحة، وقرّر أن يبني نظرته للكون على غير ما تقرّره اكتشافات الهيئات العلمية الكبرى التي يدعونا الملاحدة دائمًا إلى أن نسلّم لها بالقول الفصل.

لقد انتعش الإلحاد وعاش في ظلّ تصوّر فلسفي لأزليّة المادة، وبُني علم الكوسمولوجيا على هذا المبدأ. وقد كان على الإلحاد أن يغيّر وجهته، ويقرّ أنّه قد فقد مبرره العلمي مع تطوّر معارف الإنسان، لكن المفاجأة التي شهدها الميدان العلمي في القرن الماضي (العشرين)، هي أنّ بداية الكشف عن حقيقة خلق الكون قد وُوجهت بالعناد والاستكبار في البداية، ثم تطوّر الأمر إلى محاولة القفز فوق دلالاتها الدينية اليقينية.

كان (أينشتاين)[19] من أوائل من امتعضوا من بداية اتجاه العلماء إلى القول بأنّ الكون ليس أزليًا، وقد سبق له أن بنى نظريته على أنّ الكون كائن بلا بداية، غير أنّه عاد وأقرّ بعد ذلك رغمًا عنه بخلق الكون حتى تستقيم نظريّته بعد نشر (هابل) لكشفه عن الانزياح نحو الأحمر. [20]20

أمّا عالم الكوسمولوجيا والرياضيات البريطاني المادي (أرثر إدنجتن) (Arthur Eddington) (ت.1944م) فقد اهتزّ لهذا الكشف وقال إنّ أصل الكون هو “فسلفيًا أمر بغيض” “philosophically repugnant”،[21]15 ، وأنّه “يبدو أنّ البداية تقدّم صعوبات لا تُقهر إلّا إذا اتفقنا أن ننظر إليها بصراحة تامة كأمر فوق طبيعي.”[22]

ويعبّر (روبرت ويلسن) -مكتشف (إشعاع الخلفية الكونية الميكروي) مع (بنزياس)، والذي كان من أنصار الحال الثابتة- عن أثر الكشف العلمي على عقيدته، بقوله: “لقد أحببت فلسفيًا نظرية الحال الثابتة، وعليّ بوضوح أن أتراجع عن ذلك”.[23] تعبيرًا عن هزيمة الأمل الإلحادي أمام براهين العلم.

أمّا (ألان سنداج) (Allan Sandage) (ت.2010م) -الذي لُقِّب بأبي (الكوسمولوجيا الرصديّة المعاصرة)- فقد قال عن بدء الكون بانفجار: “إنّها نتيجة غريبة… لا يمكن أن تكون صحيحة”.[24] علمًا أنّه قد تحوّل في أواخر حياته إلى الإيمان بالله، وهو من أدقّ من قدّموا تقديرًا علميًا لعمر الكون.

كما عبّر (هويل) عن امتعاضه الشديد من المآلات اللاهوتية لـ(نظرية الانفجار العظيم) بقوله في كتاب مدرسي ألّفه سنة 1975م، معترضًا على النموذج النسبي (لألكسندر فريدمان): “الكثيرون مسرورون بقبول هذا الموقف… دون البحث عن تفسير فيزيائي للبداية الحادة للجسيمات. يُنظر إلى البداية الحادة عمدًا على أنّها فوق-فيزيائية، أي خارج الفيزياء … . يبدو هذا النمط من التفكير مُرْض للكثير من الناس لأنّ “شيئًا ما” من خارج الفيزياء بالإمكان إضافته إلى بداية الزمن. لقد وضعت كلمة “إله” مكان “شيء ما” بمخادعة لفظية… لا أعتقد أنّنا بحاجة إلى استدعاء الميتافيزيقا لحلّ أيّ مشكلة بإمكاننا أن نفكّر فيها.”[25]

وكان الفيزيائي البريطاني (دنيس شياما) (Dennis Sciama) (ت.1999م)-أستاذ (هاوكنغ)، وأحد من يعدّون آباء لعلم الكون الحديث، وأحد أهم المناصرين لـ(نظرية الحال الثابتة) مع زميله (هويل)، وقد دعمها في كتابه الأول “The Unity of the Universe” (1959م)- بادي الانفتاح على الحقيقة؛ إذ تحوّل عن مذهبه بعد اكتشاف (إشعاع الخلفية الكونية الميكروي) ليصبح من أهم المنافحين عن (نظرية الانفجار العظيم). وقد أقرّ عن نفسه أنّه قد لعب دورًا في الدفاع عن (نظرية الحال الثابتة) لأنّها كانت جذابة بصورة كبيرة لدرجة أنه تمنّى أن تكون صحيحة، “لكن لما تراكمت الأدلة؛ اتّضح بجلاء أنّ اللعبة قد انتهت، وأنه يجب التخلّص من (نظرية الحال الثابتة)”.[26]

ويعلّق عالم الفيزياء الفلكية (كريستوفر إشام) (Christopher Isham) على انزعاج العلماء الماديين من الكشف عن نشأة الكون من خلال انفجار عظيم، بقوله: “ربّما أفضل حجة لصالح الطرح القائل إنّ (الانفجار العظيم) يؤيّد الإيمان بالله هو التململ الواضح الذي قوبل به من طرف بعض الفيزيائيين الملاحدة. وقد أدّى ذلك إلى ظهور أفكار علمية، مثل (الخلق الدائم) (continuous creation) أو (الكون المتذبذب) (oscillating universe)، وقد تمّ تقديمها بحماسة تفوق بكثير قيمتها الحقيقية ممّا يلزم المرء بأن يرى دوافع نفسيّة أعمق بكثير من الرغبة المألوفة للمنظّر لدعم نظريّته“.[27]

وقد اعترض الفيزيائي والمحرّر العلمي في المجلّة العلمية الشهيرة “الطبيعة” (جون مادوكس) (John Maddox) (ت.2009م) على (نظرية الانفجار العظيم)، وتوقّع بحماسة سقوطها لأنّ المؤمنين بالخلق والخالق يجدون فيها “تبريرًا واسعًا” لمعتقدهم، وتوقّع أن تنهار في غضون عقد من الزمان بنشر نتائج أبحاث (مرصد هابل الفضائي).[28] ويبدو أنّ أبحاث (هابل) قد انتهت إلى نقيض ما أراده (مادوكس)؛ إذ إنّ أعظم مشاريع هذا المرصد قد حُدّد سنة 2013م، وكان جوهره الكشف عن تطوّر الكواكب، والبذور الأولى للبناء الكوني بعد البليون سنة الأولى من الانفجار العظيم![29]

ولا يزال العلماء الملاحدة إلى اليوم في صراع مع الدلالات العقدية للكشوف الفلكية، ولذلك نقرأ في مقال نشر منذ ثلاث سنوات في مجلّة “New Scientist” الشهيرة التي يسيّطر عليها الماديون: “اعتقد علماء الكوسمولوجيا أنّ عليهم الالتفاف وراء المشكلة. لقد حاولوا على مرّ السنوات الماضية إثبات عدة نماذج مختلفة للكون تتفادى الحاجة إلى بداية، مع الاستمرار في اشتراط انفجار عظيم. يبدو الآن من المؤكّد أنّ الكون كانت له بداية.[30][31]

الإلحاد موقف عاطفي دوغمائي كشف العلم نفاقه.

ماذا لو ثبت بطلان نظرية الانفجار العظيم؟

يحتجّ البعض بالقول إنه لا يمكن أن يُستدل بـ(نظريّة الانفجار العظيم) للقول بأنّ الكون مخلوق، فهي لا تعدو كونها “نظرية“، أي أمرٌ لم يثبت، وإنما مجرد افتراض. ولو ثبت بطلان هذه النظرية فسيفقد المؤمنون بالله دليلهم العلمي الوحيد على وجود الله، ليرجع الأمر إلى ما كان عليه سابقًا من دلالة العلم الطبيعي على أزلية المادة، خاصة مع وجود بدائل نظرية كوسمولوجية تقرّر أزلية الكون.

ليس الاعتراض السابق على شيء؛ إذ هو قائم على العناوين المثيرة التي ينكشف عند النظر في حقيقة ما وراءها أنّها لا تؤول إلى إثبات ما يريده أصحابها من ردّ خلق الكون، وذاك هو سبيل الإلحاد اليوم، إذ يعتمد على كسل عموم القرّاء، وغياب الهمّة للبحث وراء الادّعاءات العريضة للقول بانتقاض أدلّة المؤلّهة.

أولا: معنى النظرية

من الأخطاء الشائعة في الثقافة الشعبية العربية والغربية اعتبار (النظرية) (Theory) مجرّد رأي لا تسنده البراهين، مما يعني أنّه لا يحمل أيّة سلطة أدبيّة، وأنّه ضرورة لا يمكن أن يكون “حقيقة علمية”.

(النظرية) في المفهوم العلمي طبقًا لتعريف (الأكاديمية القومية الأمريكية للعلوم) هي: “تفسير موثّق بصورة جيدة لبعض جوانب العالم الطبيعي من الممكن أن يضم حقائق، وقوانين، واستدلالات، وفرضيات مختَبرة”.[32]

يشكّل التعريف السابق الصورة الأكثر شيوعًا لمعنى “النظرية” في الساحة العلمية، وهو بذلك يقدّم التصوّر العلمي الجامع لمجموعة مسائل أو أحداث في نسق واحد مترابط يزعم موافقته للحقيقة الموضوعية القائمة في الكون.

وبإمكاننا أن نقول في ضوء مطابقة (نظرية الانفجار العظيم) للشواهد المادية والرياضية للكون: إنّ سيناريو (الانفجار الأوّلي العظيم) موثَّق بالقرائن العلميّة المدعومة بالنبوءات الصادقة للعلماء، وهو بذلك تفسير علمي مدلّل عليه لنشأة الكون.

ثانيا: تعدّد شواهد خلق الكون

ليست (نظرية الانفجار العظيم) هي الدليل العلمي الوحيد لخلق الكون، وإنّما هناك دلائل أخرى، أو بالأحرى بإمكاننا أن نقول إنّ كلّ الدلائل المادية والرياضية تدلّ على أنّ الكون له بداية، ولذلك قال الكوسمولوجي الشهير اللاأدري (ألكسندر فلنكن) (Alexander Vilenkin) سنه 2012م في عيد ميلاد (هاوكنغ) السبعين، والذي ناقش فيه العلماء أهم نظريات نشأة الكون: “تقول كلّ الأدلة التي عندنا إنّ الكون له بداية”.[33] وأكّد هذا الأمر بلغة أكثر حدّة، بقوله: “لقد قيل إنّ الحجة هي التي تقنع العقلاء والدليل هو الذي يقنع حتى غير العقلاء. لم يعد بإمكان علماء الكوسمولوجيا، بعد أن قامت الآن الأدلة، أن يَتَخفّوا وراء إمكانية وجود كون أزلي. لم يعد هناك مهرب، عليهم أن يواجهوا مشكلة البداية الكونيّة.”[34]

نذكر من الأدلة التي تثبت أنّ للكون بداية:

القانون الثاني للديناميكا الحرارية

يحتلّ (القانون الثاني للديناميكا الحرارية) (The second law of thermodynamics) مكانة خاصة بين القوانين الكونية التي كشفها العلماء، حتى قال فيه عالم الكوسمولوجيا (إدنجتون) إنّه القانون الأوّل لكلّ العلوم، وإنّ أية نظرية علمية تتعارض مع هذا القانون لا تملك أملًا في البقاء، وإنّها ستنهار ضرورة. [35]

لهذا القانون صيغ عديدة تعبّر عن حقيقته -رغم أنّه متعلّق في الأصل بالانتقال الحراري- من أهمّها أنّ الكون ينحو إلى الفوضى بعد الانتظام، وأنّ النُظُم تتحوّل من السلوك المنتظم إلى السلوك العشوائي. ومن لوازم هذا القانون أنّ الكون يتّجه إلى فقد طاقته، ويتحوّل بصورة عفوية من الحرارة إلى البرودة، ومن النظام إلى الفوضى، فكلّ شيء يتحوّل من الأعلى إلى الأدنى. إنّه بعبارة عامة، قانون الفساد في الكون، وهو الحقيقة الكبرى التي ألزمت (أينشتاين) أن يقول بكلّ ثقة إنه لا يمكن أن يتمّ إبطاله في يوم ما. [36]

بإمكاننا أن نستفيد من القانون الثاني للديناميكا الحرارية في معرفة إن كانت للكون بداية بالنظر إلى أربعة أصول معرفية يتمسّك بها الملاحدة، وهي:

  • الكون هو كيان مغلق رغم ضخامته الهائلة.
  • الكون هو كيان مادي بحت.
  • روح الكون هي طاقته التي يستهلكها وتمنعه من أن يبلغ مرحلة التموّت الحراري.
  • الكون يستهلك طاقته على مدى الزمن بما يجعلها تتناقص يومًا بعد يوم، كما يتقلص البنزين من خزّان السيارة كلّما أخذت السيارة منه رصيدًا لحركتها.

حقيقة تناقص الطاقة عبر الزمن، دالة على أنّ لهذا الكون بداية محدّدة بدأ منها استهلاك الطاقة، ولا يستقيم لذلك أن يكون الكون أزليًا؛ لأنه لا ينقص إلا المبدوء، فإنّ الكون الذي تتناقص طاقته من الأزل، تنفد طاقته في الأزل!

يقول الفيزيائي اللاأدري (بول ديفيس): “اليوم، نحن نعلم أنه لا يمكن لنجم أن يستمر في الاحتراق إلى الأبد؛ إذ لا بدّ أن ينفد وقوده. وهذا يفيد في توضيح مبدأ عام جدًا: [مفهوم] الكون الأزلي يتعارض مع استمرار وجود العمليات الفيزيائية التي لا رجعة فيها. إذا كان بإمكان النظم الفيزيائية أن تخضع لتغييرات لا رجعة فيها بمعدل محدود، فهي إذن ستنتهي من تلك التغييرات في زمن لانهائي مضى”.[37]

ويضيف (ديفيس) معلّقًا على دلالة (الانفجار العظيم) على أنّ الكون له بداية: “ثمّة خيوط لأدلّة عديدة تدعم هذه النظرية المذهلة، وسواء قبلنا كافّة التفاصيل أم لم نقبل، فالفرضيات الأساسية – بوجود نوع من خلق ما – تبدو قاهرة من وجهة نظر العلم، ويعود الفضل –مباشرة- إلى مجموعة كبيرة من البراهين، تعود إلى أحد أكثر قوانين الفيزياء شهرة، ذلك المعروف بالقانون الثاني للديناميكا الحرارية، ويوضح هذا القانون –بالمعنى العام- أنّ الكون يصبح –يومًا بعد يوم- أكثر اضطرابًا، فثمّة نوع من الانحدار التدريجي والعنيد ينزع إلى الفوضى، والأمثلة على صحة القانون الثاني واضحة للعيان، ففي كلّ مكان: بنايات تنهار، بشر يتقدّمون في العمر، جبال وسواحل تتآكل، وموارد الطبيعة تنضب… وقد أثبتت تجارب دقيقة عديدة أنّ الكميّة الكليّة للاضطراب في نظام ما لا تنخفض أبدًا، وإذا كان النظام معزولًا عن محيطه، فأيّ تغييرات تحدث داخله سوف ترفع الأنتروبي، أي الاضطراب، بحدّة بالغة حتى لا يمكنه بعدها الوصول إلى أعلى، وحينها لن يحدث المزيد من التغيير؛ إذ يكون النظام قد وصل إلى حال توازن الديناميكا الحرارية.”[38]

طمع بعض الملاحدة في أن تكون الكوسمولوجيا الكمومية هي المخرج من مأزق القانون الثاني للديناميكا الحرارية لتلافي بداية للكون، لكنّ دراسة نشرت قريبًا للكوسمولوجي (آرون وال) (Aron Wall) أثبتت أنّ السلطان التام لهذا القانون على كوسمولوجيا الكم يلزمنا بالإقرار بخلق الكون، ولا حلّ لمواجهة ذلك إلا بتبنّي إمكانية أن تسير حركة الزمان بصورة عكسيّة، أي أن يتحرّك الزمان إلى الماضي لا من الماضي (!!)،[39] وكفى بهذا الحلّ حجّة على عجز الحلول العاقلة عن تفادي اللوازم الإيمانية للقانون الثاني للديناميكا الحرارية.

النظرية النسبية لأينشتاين

علِم (أينشتاين) أثناء عمله على نظريته أنّ الحسابات تقوده إلى كون غير مستقر في حجمه، فاضطرّ للهروب من هذه النتيجة البغيضة إليه أن يفترض سنة 1917م وجود ما سمّاه بـ(الثابت الكوني) (Cosmological constant) كإضافة إلى نظريته في النسبية العامة، حتى يتحقق الاستقرار الكوني بالتغلّب على سلطان الجاذبية بوجود قوة تنافرٍ تفعل فعلًا معاكسًا لفعل الجاذبية، لكنّه اضطرّ إلى التنازل عن رأيه والإقرار بتوسّع الكون بعد اكتشاف (هابل) في آخر العقد الثاني من القرن العشرين لدليل مدرك لتنائي المجرّات عنّا.

وقد نشر (أرفند بورد) (Arvind Borde) و(ألان غوث) (Alan Guth) و(ألكسندر فلنكن) (Alexander Vilenkin) ورقة علمية في أبريل 2003 في مجلة “Physical Review Letters” تحت عنوان: “الزمكانات المتضخمة غير تامة من جهات الماضي”، وأثبتوا فيها أنّ الكون اللامتناهي في الزمان لا يتوافق مع نظرية أينشتاين النسبية التي ثبت صدقها علميًا منذ زمن.

تمدد الكون

اكتشف (إدون هابل) في بداية القرن العشرين أنّ الكون يتمدّد، وأن سرعة ابتعاد الأجرام عن بعضها تطابق سرعة ابتعادها عن الأرض. كان هذا الكشف من أقوى الدلائل لتأكيد (نظرية الانفجار العظيم)، غير أنّ هذا التمدّد وحده حجّة أنّ الكون لا يمكن أن يكون أزليًا بلا بداية.

وقد أبدى (هاوكنغ) كبير استغرابه من عدم الكشف عن تمدد الكون قبل القرن العشرين؛ إذ إنّه من المستحيل أن يوجد كون ثابت من الأزل تعمل فيه الجاذبية عملها الجذبي.[40] وعلّق قائلًا: “كان الكشف عن توسّع الكون إحدى أكبر الثورات الفكريّة في القرن العشرين. من السهل أن نتساءل –بصورة متأخرة- لِمَ لَمْ يفكّر أحد في ذلك من قبل. لقد كان على (نيوتن) والآخرين أن يكتشفوا أنّ الكون الثابت لا بدّ أن يبدأ عن قريب في الانكماش تحت تأثير الجاذبية.”[41]

ومن الحجج الأقوى اليوم لدلالة التوسّع على نفي أزليّة الكون، (مبرهنة بورد وغوث وفلنكن) (Borde-Guth-Vilenkin Theorem) –على أسماء الكوسمولوجيين الثلاثة الذين طورّوها سنة 2003م، وتختصر بـ (BGV theorem)-. وقد لقيت هذه المبرهنة قبولًا كبيرًا في أوساط الكوسمولوجيين في العالم، وهي تقرّر أنّ كلّ كون أو أكوان تتمدّد بدرجة أعلى من الصفر، فلا ريب أنها تعود إلى بداية ولا يمكن أن تكون أزليّة.[42] ولخّص الثلاثي أصحاب المبرهنة دراستهم بقولهم: “النموذج الكوسمولوجي المتضخم- أو حتى المتوسع بسرعة كافية- لا بدّ أن يكون غير تام في الاتجاهات الماضية للعدم والزمان (timelike)”.[43]

طبيعة الحركة المتمددة للكون تحمل إذن في ذاتها دلالة فيزيائيّة على أنّ الكون لا يمكن أن يكون أزليًا.

مفارقة أولبرز

سُمّيت (مفارقة أولبرز) (Olbers’ Paradox) على اسم الفلكي الألماني (هاينريش أولبرز) (1840م) وتسمى أيضًا (مفارقة السماء المظلمة)، ويشرحها )بول ديفيس) بقوله: “لو كان الكون غير متناهٍ في تمدده المكاني والزماني لكان الضوء الآتي من النجوم اللامتناهية منهمرًا على الأرض من السماوات. ويظهر الحساب البسيط أنّ السماء لا يمكن أن تكون مظلمة في مثل هذه الظروف. يمكن حلّ المفارقة بافتراض سنّ محدود للكون؛ إذ إننا في هذه الحال سنكون قادرين فقط على رؤية النجوم التي أخذ ضوؤها زمنًا للسفر عبر الفضاء إلى الأرض منذ البداية”.[44]

بعبارة أكثر تبسيطًا، لو كان الزمان بلا بداية لكانت السماء كلّها مضيئة ليلًا لأنّها ستكون مغمورة كلّها بأضواء النجوم التي وصلنا ضوؤها منذ الأزل، أمّا والحال كما نعرف من سمائنا اليوم من أنّ ليلها أسود إلا من قليل من النجوم المضيئة، فذاك يعني أنه لا يصلنا من ضوء النجوم إلا ما انتهى من رحلته إلينا منذ بداية تخلّق النجوم أو بعد ذلك.

ثالثا: تراكم الشواهد

يهاجم بعض هواة الإلحاد في الشرق (نظرية الانفجار العظيم) باعتبارها تعيش تحت تهديد الاكتشافات الحديثة التي قد تقلّص مصداقيتها، وعلى هذه الدعوى أربع ملاحظات:

الأولى: نَقْضُ تقرير العلماء أنّ الكون قد بدأ بانفجار عظيم، ليس بالبساطة التي يتصوّرها عوام الملاحدة، فقد سئل (جاسترو) عن قول الكاتب الملحد الشهير (إسحاق أزيموف) (Isaac Azimov) إنّ العلماء وإن عجزوا اليوم عن تفسير الانفجار العظيم، فسيتمكنون غدًا من فعل ذلك لأنّ العلم يتطوّر تبعًا لما يكتسبه من معلومات جديدة. وكانت إجابته: “أنا متشبّث بفكرة أنّ العلم لن يتمكّن من أن يفكّ شفرة سبب الانفجار الكوني مادام يظهر أنّ الكون كان لامتناهي الحرارة والكثافة في لحظاته الأولى. يبدو لي هذا الاستنتاج كإحدى الحقائق الصلبة للعلم، مثل التقسيم الكمّي للشحنة، وكتلة الإلكترون، واللولب الثنائي للحمض النووي. في رأيي، بإمكان الوضع أن يتغيّر فقط إن أطيح بالانفجار العظيم من خلال الكشف عن معلومات جديدة، ولكن في ضوء اكتشاف إشعاع الكرة النارية الأوّلي على يد (بنزياس) و(ويلسن)، يبدو هذا التطور بعيدًا.”[45]

واليوم، وقد مرّت عقود ثلاثة على التصريح السابق لـ(جاسترو)، لم يكشف البحث العلمي عن أيّة معلومة جوهرية قادرة على نقض طرح الانفجار العظيم، بل أكّد البحث على خلاف ذلك بدعمه سيناريو الحال الملتهبة لبداية الكون. ولم تقم النظريات الكوسمولوجية الأحدث على معلومات جديدة، وإنّما على محاولة إحداث قراءة أولى مختلفة بالاعتماد على نفس المعارف القديمة.

الثانية: يقوم العلماء بحلّ أهم الإشكالات التي تواجه (نظريّة الانفجار العظيم) ضمن نفس النموذج الكوني لذات الانفجار، فالعلماء يميّزون بين النموذج كفكرة كبرى، والنظريات التي تنضوي تحته. وقد نجحت نظرية (التضخم الكوني) (inflationary theory) ضمن (نموذج الانفجار العظيم) في حلّ المشكلات الثلاث الكبرى للنموذج والتي تتعارض مع التصوّر الكلاسيكي للانفجار العظيم (The standard Big Bang model)، وهي (مشكلة الأفق) (Horizon problem)، و(مشكلة التسطّح) (Flatness problem)، و(مشكلة أحادية القطب المغناطيسي) (Magnetic-monopole problem). فـ(نظرية الانفجار العظيم) نجحت في أن تفسّر ما نعرفه عن الكون دون أن تتخلّى عن أصولها، وأهمّها أنّ للمكان والزمان بداية.

الثالثة: الأدلّة على الانفجار العظيم الذي نشأ منه الكون تتراكم مع تتابع الاكتشافات الفلكيّة الكبرى ولا تتناقص، مثبتة قدرتها التفسيرية للظواهر الكونية المشاهدة اليوم والتي تمثّل التاريخ القديم للكون. ولعلّ أبرز طابع لصلابة (نظرية الانفجار العظيم) هو صحّة نبوءاتها العلميّة عن تاريخ الكون منذ بدايته، والناتج عن انفجار حراري هائل تمددت عناصره لتنشئ المكان المتوسّع بسرعة.

يقول (بول ديفيس): “لو أنّ نظرية الانفجار الكبير كانت تقوم على عمل (هابل) و(أينشتاين) فقط، لما استطاعت أن تحوز هذا الدعم الواسع. لحسن الحظ، توجد أدلة تأكيدية مقنعة. … حقيقة أنّ الكوسمولوجيا الحديثة وفّرت أدلّة فيزيائية صلبة لصالح الخلق هو أمر مرضٍ جدًا للمفكّرين المتديّنين.” [46]

وقد شهد (فكتور ستنجر) أنّ “كلّ سنة تمرّ، ومع تراكم المعلومات الكونية، تتوافق [معارفنا] بصورة أكبر مع الصورة العامة للانفجار العظيم على الأقلّ”، [47]موافقًا ما قرّره (فردريك برنهام) (Frederick Burnham) -مؤرّخ العلوم-، بقوله: “هذه الاكتشافات المتاحة الآن، تجعل القول إنّ الله قد خلق الكون فرضية جديرة بالاحترام اليوم، بصورة أكبر من أي وقت مضى في المئة سنة الأخيرة.”[48] أمّا (مارتن ريس) (Martin Rees) -عالم الكوسمولوجيا الشهير، ورئيس (الجمعية الملكية البريطانية في لندن لتطوير المعرفة الطبيعية) لست سنوات، وهو المنصب الذي شغله سابقًا (إسحاق نيوتن)- فقد كتب سنة 1999م: “كنت سابقًا، منذ سنوات قليلة، أثق بدرجة 90% في حدوث الانفجار العظيم… أمّا الآن فالنسبة أعظم بكثير، التقدّم العظيم في المشاهدات والتجارب جعلت الصورة الكونية الكبرى أدقّ أثناء التسعينات من القرن العشرين، وأرغب الآن في رفع درجة يقينيى إلى 99%“.[49]

ومن التأكيدات الأخيرة لصحّة نظرية الانفجار العظيم ما أعلنه (راسل كانون) (Russell Cannon) سنة 2005م باعتباره عضوًا في فريق علمي أمريكي قام بمسحٍ لعدد كبير من الكواكب باعتماد أساليب أحدث وأكثر تطوّرًا: “لقد عَلِمنا منذ زمن بعيد أنّ أفضل نظريّة لتفسير الكون هي الانفجار العظيم… ما يمكننا الآن أن نكون واثقين فيه بصورة أكبر هو أنها الفكرة الأساسيّة الصحيحة.”[50]

لقد جعلت المعطيات الكونية المتراكمة الصحفي الأمريكي (جورج ول) (George Will) يقول مازحًا إنّه يبدو أنّ الملاحدة سيعترضون على وكالة (ناسا) باعتبارها تقدمّ دعمًا علميًا للمتديّنين من خلال ما يثبته (مرصد هابل الفضائي) من حقائق![51]

ولم تكن أبحاث العلماء الأمريكيين وحدها حجّة متجددة لصالح نظرية الانفجار الكبير، وإنّما هي أبحاث علماء الكوسمولوجيا في كلّ قارات الأرض، ومن ذلك أنّ (الوكالة الأوروبية لأبحاث الفضاء) (European Space Agency) التي تُعنى بتطوير برامج التعاون الفضائي بين دول أوروبا الغربية، قد أصدرت تقارير سنة 2013م عن تحليل نتائج ما رصده (مرصد بلانك الفضائي) الذي أنشئ لمسح توزيع (إشعاع الخلفية الميكروي الكوني) في الكون بدقة عالية، وقد جاء في أحدها: “إجمالًا، توفّر المعلومات المستقاة من الخريطة الجديدة لبلانك تأكيدًا رائعًا للنموذج القياسي للكوسمولوجيا بدقّة غير مسبوقة”.[52] وفي تقرير عمّا رصده (مرصد بلانك) -صدر أثناء كتابتي هذه الكلمات- صرّح العلماء قائلين: “يبقى النموذج القياسي الكوسمولوجي وصفًا ممتازًا للكون” .[53]

حقائق العلم وكشوفه لم تزد دعوى أزلية الكون إلا نكارة.

رابعا: فشل البدائل المطروحة[54]

يحاول فلاسفة الإلحاد إيهام الأتباع والقرّاء أنّ بدائل ناجعة لـ(نظريّة الانفجار العظيم) قد أثبتت أزليّة الكون، وأنّ الانحياز إلى نظرية الانفجار دليل جهل المنحاز إليها بتطوّر حسابات الكوسمولوجيين واكتشافاتهم. ولذلك سنعرض هنا إلى أهم البدائل التي يتحمس لها جماعة من فلاسفة الإلحاد، علمًا أنّ الكثير من أعلام الإلحاد يقرّون بنظرية الانفجار العظيم لكنّهم يتأوّلون نتائجها بما لا يثبت أنّ للكون خالقًا.

النموذج المتذبذب Cyclic model

يقترح نموذج الكون المتذبذب أنّ الكون في حال توسّع ثم انكماش دائبين منذ الأزل، دون بداية، وذلك للخروج من إشكال الخلق الأوّل.

يقول الفيزيائي البريطاني (جون غربن)، معبرًا عن أصوات الكثيرين: “الإشكال الأكبر في نظرية الانفجار العظيم المتعلّقة بنشأة الكون هو فلسفي -وربما حتى لاهوتي-، وهو: ماذا كان قبل الانفجار؟ كان هذا الإشكال وحده كافيًا لمنح دفعة أولى لـ(نظرية الحال الثابتة)، ولكن بعد أن تبيّن –للأسف- أنّ تلك النظرية معارضة للأمور المشاهدة، كان الطريق الأفضل للالتفاف حول هذا الإشكال الأوّلي هو في تقديم نموذج يتوسّع فيه الكون من (مفردة) (singularity)، ويعود فينهار بعد ذلك، ثم يعيد دورته هذه دون نهاية”.[55]

لم تكن نظرية التوسّع والانكماش الدائمين بأسعد حالًا من (نظرية الحال الثابتة)؛ فبعيدًا عن الفساد العقلي للقول بعدد لانهائي من الدورات الماضية، قدّم العلم ضربات مميتة لهذه النظرية، ومن أهمها:

  1. لا يوجد دليل مادي على أكثر من انفجار واحد وتمدّد واحد للكون.
  2. أشار (فلنكن) إلى أنّ هذه النظرية تصادم وجود الكون إلى اليوم؛ إذ إنّها لو صحّت، فلا بدّ أن يكون الكون قد بلغ مرحلة (التوازن الترموديناميكي) (thermodynamic equilibrium) لتتوقف جميع التفاعلات الفيزيائية في الكون، وهو خلاف ما نعلمه ونشاهده من كوننا اليوم.[56]
  3. يبدو أنّ الكثافة المشاهدة للكون لا تكفي في أفضل أحوالها لنصف ما يُحتاج لانكماش كوني.
  4. لا توجد آلية فيزيائية معروفة ومعقولة من الممكن أن تحقق الانكماش العكسي المطلوب.
  5. لما حسب الفلكي (جوزيف سلك) (Joseph Silk) عدد المرات الممكنة لتاريخ تذبذب الكون انطلاقًا من المستوى الأنتروبي الحالي للكون، وجد أنّ الحالات الممكنة لا يمكن أن تتجاوز مئة مرّة. [57]
  6. يحتاج الكون لكي يمرّ بعدد لانهائي من دورات التذبذب المتتابعة أن يبدأ بمقادير مضبوطة ومتقنة من المادة والطاقة والقوانين الحاكمة لها حتى يتمكن من أن يعيش دورة التمدد قبل الانكماش، وهو ما لا تسمح به عشوائية الكون الإلحادي.

إنّ الكون المتذبذب، حتى لو صّح تاريخيًا، فإنه لا يمكن أن يكون أزليًا لأنّه لا يستطيع أن يقاوم عدّة عوامل مادية وقانونية مطلوبة، ولذلك قال كل من (زلدوفيتش) (Zeldovich) و(نوفيكوف) (Novikov) في الحكم على هذا النموذج: “النموذج متعدد الدورات له مستقبل لانهائي، أمّا ماضيه فهو متناهٍ.”[58]

التضخم الأزلي Eternal Inflation

اقترح عالم الفيزياء الفلكية الروسي (أندري لند) (Andrei Linde) في السبعينات من القرن الماضي نظريته في التضخم الكوني، غير أنه عاد في بداية العقد التالي ليقترح نموذجًا آخر يُعرف بـ(التضخم الجديد) (New inflation)، ثم عاد فانتبه بعد فترة قصيرة إلى عيوب نموذجه الجديد، لينشئ بعد ذلك ما يعرف بنموذج (التضخم العشوائي) (chaotic inflation) حيث تنشأ من جوانب الكون الأم أكوانٌ جديدة تتوسّع، وتنشأ من جوانبها أيضًا أكوان أخرى، وهكذا إلى ما لا نهاية.

لم تقدّم نظريات التضخم الدقيقة في عناصرها وتاريخها حجّة مادية واحدة لإثبات صدقها، ولذلك أعرب الفيزيائي (جون برّو) (John Barrow) عن امتعاضه بقوله: “للأسف، لا يبدو أنّ كامل المخطط الكبير للتضخم الأزلي قابل للاختبار”.[59] كما قال (هاوكنغ): “في رأيي الخاص، نموذج التضخم الجديد هو ميت الآن كنظرية علمية.”[60]

ولعلّ أهمّ ردّ على أزليّة نموذج (لند) كان بنشر (أرفن بورد) و(ألكسندر فلنكن) سنة 1994م دراسة تثبت أنّ كلّ نظريات التمدد، بما في ذلك نظرية (لِند) لا يمكنها أن تتلافى المفردة التي نشأ منها الكون. وقد انتهيا في دراستهما إلى أنّ “الزمكان المادي المعقول، والمتوسع أبدًا، لا بدّ أن يضمّ مُفردة أولى”[61] في تاريخه، وهو ما أقرّ به (لند) في رده على هذه الدراسة.[62] كما صدرت مؤخرًا -أثناء إعدادنا هذا الكتاب- دراسة علمية في نقد إحدى أشهر صور هذا النموذج، وانتهت إلى أنّ الكون في هذه النظرية لا يمكن أن يكون أزليًا.[63]

نظرية الأوتار String Theory

(نظرية الأوتار)، هي مجموعة من الأطروحات التي تنطلق من الزعم أنّ المادة ليست بناءً من الجسيمات مثل الكواركات، وإنما هي في الحقيقة مجموعة أوتار من الطاقة صغيرة الحجم، ذات بعد واحد وطبيعة اهتزازية.

ربما لا تعرف نظرية اليوم حجمًا من الإشكالات مثل (نظرية الأوتار)، فرغم أنّها إلى الآن تبحث لنفسها عن أشكال ممكنة إلّا أنّ الدعاية الإعلامية لها واسعة لغرابتها وتطرّفها.

تقدّم هذه النظرية صيغتين اثنتين للوجود الكوني. قدّم أولاهما الفيزيائيان (غبريال فنزيانو) (Gabriele Veneziano) و(موريزيو غسبريني) (Maurizio Gasperini)، وهي تقرّر أنّ الانفجار العظيم هو مرحلة بين انكماش سابق وتمدد لاحق. تكوّن قبل الانفجار العظيم ثقب أسود في الفراغ الأزلي المستقر، وقد أدّى انهياره إلى ظهور النسب اللاحقة من الحرارة والكثافة وغير ذلك، مما أدّى إلى التوسّع اللاحق.

بعيدًا عن غياب الدليل المادي لهذه النظرية وعدم اكتمال تأصيلها النظري، يلزم من نشوء الثقوب السوداء في الفراغ الكوني في أي رقعة منه أن تكون نشأة هذه الثقوب من الأزل، وهو ما يخالف واقع عمر كوننا الصغير سنًا نسبيًا. كما يلزم من ذلك أيضًا أن تندمج الثقوب السوداء في بعضها منذ الأزل لتكوّن ثقبًا أسود مساويًا في امتداده للكون، وهو ما يؤول إلى أن يكون زمن ما بعد الانفجار العظيم قديمًا من الأزل. كما يلزم من كون الكون مغلقًا أن يصل إلى حال التوازن الترموديناميكي، وهو ما لم يبلغه كوننا بعد.

النظرية الثانية، وهي الأشهر، وتسمى (نموذج التحوّل الناري) (Ekpyrotic Model)، وانتصر لها (بول ستينهارت) (Paul Steinhardt)، وهي في أحدث نماذجها (Cyclic Ekpyrotic Scenario)، تفترض وجود غشائين أزليين، ينتج من تكرر تصادمهما ثم تباعدهما كون جديد.

بعيدًا عن حقيقة أنّ هذه النظرية محض خيال، وأنّ سلسلة التصادم اللامتناهية محالة عقلًا، وأنها تعاني إشكالات داخلية عميقة،[64] وأنّ الدقة العالية المطلوبة لتوازي هذين الغشائين حتى عند تباعدهما لا تفسّر بغير الصنعة الحكيمة، يحقّ لنا أن نقرّر بكلّ ثقة أنها لا تملك أن تقدم كونًا أزليًا لأنّ كلّ نموذج تضخمي لا بدّ أن يعود إلى نقطة ابتداء كما هو مبيّن في (مبرهنة بورد وغوث وفلنكن) السابق ذكرها.

وقد صرّح (ستينهارت) أنّه لا يلزم من نموذجه أن تكون التذبذبات لا نهائية في الماضي[65]، بل واعترف بنفسه أنّ لنموذجه التذبذبي بداية في قوله: “القصة الأرجح هي أنّ التذبذب قد ابتدأ ببداية مفرديّة”[66]، ولذلك ردّ ما قبل تلك البداية إلى الغيب، ليصبح هذا النموذج في ذاته قاصرًا عن إثبات أزلية الكون، بل قائلًا إنّ له بداية نشأ منها!

نماذج التذبذب الفراغي Vacuum Fluctuation Models

تذهب معظم نظريات التضخم إلى أنّنا كلّما عدنا إلى الخلف وراء حاجز بلانك -أي الثانية 10-43 من الانفجار العظيم- انكمش الكون حتى يصبح مفردة. وتذهب نماذج الفراغ المتذبذب في المقابل إلى أنّ العالم قبل تضخمه لم يكن ككلٍ يتوسّع، وإنما كان فراغًا بدائيًا في حال ثبات أزلي. وكانت تفاعلات الطاقة مستمرة في هذا المجال الفراغي، وهو ما نتج عنه تحوّل الطاقة إلى مادة، وبالتالي نشوء أكوان صغيرة، وبذلك فإنّ لكوننا بداية لا تمثّل البداية المطلقة، وإنّما هي مجرّد تغيّر في الكون الأزلي.

قدّمت هذه النماذج حلًا مغريًا للخروج من إشكالية الكون المخلوق مع الاعتراف بحقيقة ابتداء كوننا وتمدّده، لكنّها لم تتجاوز في تاريخ حياتها العقد الثامن من القرن العشرين، لا فقط لوجود إشكالات في آليات توليد المادة، وإنّما أيضًا لأنها تواجه إشكالات داخلية عميقة، ومنها أنّ افتراض أزلية الكون يقضي أن تنشأ من الطاقة أكوان أزليّة لا نهائية العدد، لتندمج بعد ذلك في ما بينها، وهذا ما يخالف حقيقة كوننا صغير السن نسبيًا، فأزلية الطاقة الأولى التي يستحيل معرفة سبب تحوّلها إلى مادة، تقضي أن يكون ما ينشأ منها أزليًا. الحلّ الوحيد للإشكال السابق هو افتراض تضخّم الفراغ الأوّل، وهو ما سيعيدنا إلى افتراض بداية مطلقة للكون، وهو ما يفرّ منه الملاحدة.

لقد فشل هذا النموذج في إقناع الراصدين، حتى قال عالم الكوسمولوجيا الكمومية الشهير (كريستوفر إشام) إنّه قد تمّ التخلّص من هذه النظرية منذ فترة بعيدة ، ولم يتم إحياؤها منذ ذلك الحين.[67]

نموذج هاوكنغ

أحدث نموذج (هاوكنغ) -وهو نموذج مشترك مع (جيمس هارتل)، ولذلك يُسمى: (نموذج هارتل-هاوكنغ)- لنشأة الكون لبسًا في عقول القرّاء في الغرب لأنّه يثبت زمنًا قبل الانفجار العظيم، وهو ما قد يفهم منه القارئ العجِلُ أنّه ليس للكون بداية. والحقيقة أنّ الزمن الذي قبل الانفجار في نموذج (هاوكنغ) هو (زمن تخيّلي) (imaginary time)، وقد افترضه (هاوكنغ) لتصحّ معادلاته دون أن يرى له حقيقة، وكانت غايته تلافي المفردة التي نشأ منها كوننا، ولذلك اعترف بقوله: “عندما يعود المرء إلى الزمن الحقيقي الذين نعيش فيه، ستظل هناك مفردات”.[68]

هذا المسلك المتمثّل في إضافة (زمن تخيّلي) هو -كما يقول الفيزيائي (جون برّو)- من دأب الفيزيائيين الذين يعمدون كثيرًا إلى تحويل الزمن إلى مكان لمعالجة بعض إشكالات ميكانيكا الكم، دون أن يتصوّروا أنّ الزمن هو في الحقيقة مثل المكان. وفي نهاية الحساب، يعودون إلى التفسيرات الاعتيادية للوجود على أنه بعد زمني واحد وثلاثة أبعاد للمكان.[69] ومن أهم من أفاد من مفهوم (الزمن التخيلي) عالم الكيمياء (ويليام هـ. ملر) (William H. Miller) سنة 1969م عندما استعمله لفهم ديناميكية التفاعلات الكيميائية، ونال بذلك مجدًا علميًا، دون أن يتحوّل الزمن التخيّلي عنده إلى حقيقة موضوعيّة.

ما فعله (هاوكنغ) هو أنه تخلّص من المفردة التي تمثّل فيزيائيًا بداية المكان والزمان ليصبح تاريخ بداية الزمان كقاعدة ناعمة وليس كنقطة كما في النماذج الكلاسيكية، وبذلك لا توجد للبداية نقطة أولى! وهو تصوّر رياضي لا يمكن نقله إلى الواقع، أو بعبارة (فلنكن): مجرّد (ملاءمة حاسوبية) (computational convenience).[70] ولذلك قال الفيزيائي (دافيد بارك) (David Park): “من السهولة المخادعة تصوّر أحداث قبل الانفجار العظيم…، لكن لا سبيل البتّة في الفيزياء لأن يكون لهذه التصوّرات معنى.”[71]

لم تتخلّص نظرية (هاوكنغ) من بداية الكون، فالأمر كما يقول (فلنكن) في تصويره لنماذج الكوسمولوجيا الكمومية -وهو من أنصارها- هو أنها تقرّر أنّ “الكون قد بدأ صغيرًا، شكلٌ هندسي ثلاثي الأبعاد، ويدخل مباشرة في نسق التضخم، مع تشكّل مناطق حراريّة جديدة بصورة دائمة. للكون بداية في هذه الصورة ولكن لا نهاية له.”[72]

ومن المهم هنا التنبيه أنّ (هاوكنغ) يسير في ركب عامة الكوسمولوجيين، فهو القائل: “اليوم، تقريبًا يؤمن الجميع أنّ الكون، والزمن نفسه، لهما بداية مع الانفجار العظيم“.[73] والناظر في المقالات العلمية لـ(هاوكنغ) يرى أنه عندما يتحدث عن التصوّر الواقعي لنشاة الكون، يقرّر أنّ للكون بداية، سواء كانت هناك مفردة أم لا.[74]

وعلينا أخيرًا أن نتذكّر أنّ (هاوكنغ) صريح في قوله إنّه يلزم من وجود بداية للكون وجود خالق له؛ فهو الذي أعلن أنّه “إذا كانت للكون بداية، فعلينا أن نفترض أنّ للكون خالقًا، ولكن إذا كان الكون مكتفيًا بنفسه بصورة تامة، دون أن يكون له حد أو حافة، فلن تكون له بداية ولا نهاية.” [75]

***

ماذا لو كان الكون ساكنا من الأزل؟

سبق لنا أن قلنا إنّ الزمان هو مقدار الوجود بين حدثين، وفي غياب الحركة بجميع أنواعها ينعدم الزمان، فهل ثبوت سكون الكون في الأزل حجة لإبطال الدليل الكوسمولوجي؟

دعوى سكون الكون في/من الأزل باطلة من الناحيتين العقلية والعلمية:

عقليا: ظهور الحركة في الكون “بعد” سكونه من الأزل إمّا أن يكون بسبب أو بغير سبب. إن قال الملحد إنّ الحدث الأول نتج عن سبب، فقد أوقع نفسه في ما يحاذره؛ وهو افتراض ذات غير مادية متعالية على الزمان والكون الهامد أزلًا؛ إذ هي تسبقه أنطولوجيًا. وإن قال إنّ الكون قد انتقل إلى الحركة دون سبب فقد زعم أنّ الشيء قد ينتقل من حال إلى آخر دون سبب، وهذا ظاهر الفساد!

علميا: ترفض حقائق العلم التسليم لدعوى الكون الساكن في/من الأزل لأنّ الكون الساكن هو ميّتٌ حراريًا، ولا يمكن أن ينتقل إلى الحركة –إن افترضنا جدلًا إمكان وجوده دون حرارة، وهو غير ممكن أصلًا-حتى تُضخّ إليه الحرارة من الخارج، وهو ما يضطرّ الملحد إلى التسليم بوجود من هو خارج الكون، وهو ما يسعى لنفيه!

لا أعلم –شخصيًا- نظريّة اليوم تقول بالكون الساكن أزلًا، لكن ربما توهّم البعض أنّ نظرية التموّج الكمومي تطابق ما نحن فيه؛ إذ ينشئ الكون الأزلي في لحظة ما البداية الأولى للكون في الفراغ الكمومي، وهو وهم لا يطابق الواقع لأنّ الفراغ الكمومي كما يقول أصحابه هو عالم من الطاقة المتحرّكة المضطربة، وهو ما يعني أنّه بعيد عن معنى السكون والجمود.

***

خلاصة النظر

يُلاحظ من عملية السبر العلمي والتاريخي السابقة:

(1) دلالة الحقائق العلمية على حدوث الكون: كلّ الحقائق العلمية المكتسبة بطريق شرعي والتي من الممكن البرهنة عليها من واقعنا المادي تقطع أنّ الكون حادث وليس بأزلي. ورصيد المخالفين الوحيد هو الإمكان الرياضي أو الفيزيائي، وقد استطاع مخالفوهم –من المؤمنين بالله وعدد من أعلام اللاأدريين والملاحدة-نقضه علميًا. وقد أقرّ الفيزيائي الملحد (ستيفن واينبورغ) (Steven Weinberg) -الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء، والقائل إنّ “الدين هو إهانة للكرامة الإنسانية”(!)- بدلالة ظواهر كشوف العلم في ختام القرن العشرين على ما يخالف عقيدته: “عبر جلّ هذا القرن، كان وزن الحجّة العلميّة هو لصالح بداية [للكون]، وهو ما منح الذين يؤمنون بالخلق فوق الطبيعي شعورًا بالارتياح”.[76]

(2) الانتصار البرهاني للانفجار العظيم: لا زالت نظرية الانفجار العظيم صامدة رغم الهجمة الشرسة التي شُنّت عليها لصالح القول بأزلية الكون، وهي لا تزال إلى اليوم النموذج المقرّر في أقسام الكوسمولوجيا في ظرف بلغ فيه طائفة من الكوسمولوجيين درجة التطرّف النظري والخروج عن مقتضيات الاستدلال العلمي بالشواهد الماديّة. ولم تزد الكشوف العلمية هذا النموذج إلّا صلابة وثباتًا بتأكيد مجمل نبوءاته. ومن أدلة صموده أنّ (لورنس كراوس) قد اضطرّ للزعم أنّ الكون قد خلق من عدم، بصورة متكلّفة ومتهافتة ليفرّ من الإقرار بوجود الخالق، ومع ذلك اعترف أنّ “نظرية الانفجار العظيم على حال جيّدة”،[77] أي إنها موافقة لمعارفنا العلمية، بل قال في مناظرته المشهودة مع (وليام لين كريغ) (أوغسطس 2013م): “أنا واثق[78] أنّ لكوننا بداية، لكنني لست على يقين من ذلك… بناء على ما أعرفه من علم الفيزياء، عليّ أن أقول إنّ بداية الكون إمكانية راجحة”[79]؛ جاعلًا سبيله لإنكار الخالق في غير إنكار هذا الانفجار.

(3) حقيقة الخلاف: النقاش الدائر اليوم بين المؤمنين وجل الملاحدة ليس –في حقيقته- حول نشأة كوننا من انفجار عظيم، وإنما حول ما إذا كان الانفجار العظيم هو بداية كلّ شيء أو أنه جزء متأخر من سيناريو أزلي.

(4) الفشل العلمي لإثبات أزلية الكون: فشلت جميع البدائل المطروحة اليوم والتي يحاول الملاحدة اعتمادها كبديل لنظرية الانفجار العظيم لإثبات أزلية الكون، علمًا أنه للخروج من إشكالية الخلق من عدم، ذهب الكوسمولوجيون الماديون إلى كلّ الاحتمالات المتصوّرة عقلًا:

  1. الكون نشأ من عدم، لكن هذا العدم وجود مادي، وهذا تناقض.
  2. كوننا هو الوجود المادي الوحيد، لكنّ هذا الوجود يجدّد نفسه كل مرة. وهي دعوى باطلة من أوجه، ومن أهمها تعارض ذلك مع القوانين الفيزيائية بما لا يسمح بردّ الكون نفسه إلى الوجود مرة أخرى أو مرات لامتناهية.
  3. كوننا جزء من كون أم، وهو تصوّر لا دليل مادي عليه؛ لقصور آلة معرفتنا عن تخطي حدود كوننا، وبالتالي فكلّ ما يقال هنا هو محض خيال، كما أنّ هذا النموذج عاجز عن أن يفر من التناهي الزمني لدخوله تحت (مبرهنة بورد وغوث وفلنكن) القاطعة أنّ كل كون متمدد فهو غير أزلي.

وقد درس (أُدري مثاني) (Audrey Mithani) و(ألكسندر فلنكن) في بحث بعنوان: “هل للكون بداية” (2012م)، أهم ثلاثة مذاهب برأيهما تزعم أنّه ليس للكون بداية، وهي التضخم الأزلي، و نموذج الكون المتذبذب، ونموذج ثالث لكون طارئ كان في حال سكون أزلي في شكل البذرة قبل أن تتوسّع. وقد كانت نتيجة دراستهما هي التصريح التالي: “يبدو أنّه من الراجح الجواب في هذه المرحلة عن هذا السؤال (هل للكون بداية؟) بالإيجاب. لقد تعرضنا هنا إلى ثلاثة سيناريوهات يبدو أنها تعرض لطريق يتفادى البداية، ووجدنا في الواقع أنّه ليس منها ما بإمكانه أن يكون بلا بداية في الماضي.” [80]

(5) البدائل مجرد فروض غيبية: حجّة البدائل المطروحة تكمن في تقديم افتراضات متقدمة عن زمن ما قبل (جدار بلانك)، وهو جدار عجز العلم إلى اليوم عن تجاوزه، وبالتالي فالالتجاء إلى مساحة الجهل في هذه النظريات تعبير عن وقوف ما نعلمه من تاريخ الكون ضدها لصالح نموذج الانفجار العظيم الذي نشأ به المكان والزمان. والأمر ما قاله (لويس ج. كلافلي) (Louis J. Clavelli) -أستاذ الفيزياء النظرية في (جامعة ألباما) عن الانفجار العظيم-: “تشير أعداد ضخمة من الملاحظات الفيزيا-فلكيّة الآن إلى بداية لكوننا … في الحقيقة، لا توجد حجّة أنّ أيًّا من جسيمات المادة التي نعرفها اليوم قد وجدت قبل هذا الحدث العظيم”.[81]

وقد فضح (جاسترو) عقلية الكوسمولوجيين المادية المأسورة في قفص السبب والأثر الدائمين، قائلًا إنّهم يؤمنون أنهم بشيء من الوقت والمال بإمكانهم الوصول إلى حلّ علمي لبداية الكون يوافق عقليتهم المادية ويلغي كلّ تفسير خارق. ثم أردف قائلًا إنّ (الانفجار العظيم) قد مسح كلّ أثر من الممكن الاستدلال به على غير ما نشهده اليوم.[82]

كما أقرّ الكوسمولوجي (ألان غوث) بالعجز بعد دراسته كلّ النظريات المتاحة لوجود الكون بقوله: “رغم كلّ الجهد الذي بذله علماء الفيزياء لبناء بديل، إلّا أنّ كلّ النماذج التي بنيناها لها بداية: كلّها أبدية في المستقبل لكنها ليست كذلك بالنسبة للماضي.”[83]

(6) غياب التاريخ والآلية: نجاحُ أي نظرية كونية رهين إثبات صحتها تاريخيا (من خلال آثارها الباقية أساسًا)، والكشف عن آلية عملها. والناظر في كل النظريات المخالفة لـ(نظرية الانفجار العظيم) يكتشف أنها عاجزة عن إثبات صحتها الذاتية تاريخيا، وأنّها لم تقدّم آلية علميّة عليها دليل، وإنما هي بين نظريات بلا آلية، أو آلية معيبة أو قاصرة. ولعلّ أكثر العلماء حماسة للخروج من مأزق بداية الكون هم العاملون لنصرة رواية كمومية لتاريخ الكون، لكنّ الجميع يقرّ رغم ذلك أنّه لا توجد إلى اليوم (نظرية كمومية للجاذبية) (quantum theory of gravity) بما يكشف أنّها حماسة غير مبررة على مستوى أصول التنظير.

ومما يلفت انتباه القارئ للنماذج الكونية المقترحة لما قبل (الانفجار العظيم)، تنوعها الكبير، وتباعد دعاويها بصورة واضحة حتى إنّ بعضها لا يشارك الآخر في كثير من أصوله، وجليّ أنّ سبب ذلك هو قيام هذه النماذج التي ينتصر لها بعض أنصار الإلحاد على غير برهان، وإنّما هي محض تصوّرات حسابيّة مبتوتة الصلة بالواقع، يحكمها رجاء الوصول إلى كون قبل كوننا، ووجود لانهائي البدء، وذاك يخالف مبدأ الملحدين في الاقتصار على براهين الواقع، ولفظِ الغيبيات!

وقد دفع ما سبق (روبرت جاسترو) إلى أن يقول ساخرًا عند حديثه عن النظريات الباحثة عن حقيقة الكون قبل الثانية 10-43: “يبدو لي أنه من السذاجة صناعة نظريات مفصّلة تريد أن تجيب على أسئلة فلسفية ودينية وكذلك علمية على أساس التخمين حول ما وقع في زمن لم تتم ملاحظته مباشرة أو بطريق غير مباشرة”.[84]

(7) الكون الأزلي الموزون: كلّ محاولة للخروج من مأزق وجود بداية أولى للكون قبل (الانفجار العظيم) تحتاج صياغة نموذج معقد جدًا قائم على تقدير مضبوط ومُحكَم يسمح للكون بالبقاء، والتحرّك، وربّما التضخّم، ومواجهة عوامل الفناء من الأزل، وهو ما يؤدّي إلى نتيجة خطيرة غفل عنها الملاحدة (وجلّ من ردّ عليهم)؛ وهي أنّ هذه النظريات التي تنفي الإله الخالق من العدم، تثبت في نفس الآن وجوب الإيمان بمن أبدع المقادير والنظام والتصميم في هذه النماذج المزعومة، لأنّ هذه النماذج قائمة على الذكاء والحكمة والتقدير الموزون، وهي بعيدة كلّ البعد عن عشوائية الماديّة الدهريّة وعماها؛ فالملاحدة قد فرّوا من “دليل الخلق” ليرتموا –بحماسة وعن غير إرادة- في حضن برهان (المعايرة الدقيقة) (Fine-tuning)، وفي كُلٍّ طريق إلى الله –سبحانه-!

(8) حدود معارفنا المادية اليوم: تلزمنا معرفتنا بالكون الذي نعيش فيه ونرصد تاريخه القديم–كما يقول الفيزيائي الملحد (روجر بنروز)- أن نؤمن بثلاثة أمور متزامنة حتى تكون رؤانا متوافقة مع ملاحظاتنا المادية، وهي:

  • نشأة الكون، بمادته وطاقته وزمانه، من العدم.
  • التوازن الدقيق بين المادة والطاقة عند نشأة الكون حتى لا يتقلص الكون إذا غلبت الجاذبية أو تتبعثر المادة إذا كانت الجاذبية أقل من المطلوب بعد الانفجار.
  • يحتاج الكون في بدايته الأولى إلى توازن دقيق جدًا بين عناصره الكثيرة دون أن يكون هناك أي ارتباط بينها ولا تواصل.[85]

الحقائق الثلاث السابقة فصيحة في دعوتها العقول إلى الإقرار بأنّ كوننا صنعةُ ذاتٍ لامادية بالغة الحكمة، عظيمة القدرة، وعند هذه الحقائق تتكسّر ظنون المادية التي تزعم أنّ الكون ليس إلا مادة وطاقة أزليتين عابثتين.

(9) توافق نادر للدليلين الفلسفي والعلمي: انتهى البحث العلمي اليوم إلى تأييد الدليل الفلسفي على خلق الزمان، وهو ما يعني أنّ المؤمنين بالله يجمعون اليوم لأوّل مرّة في التاريخ طرفَي برهان الخلق: العقلي والعلمي.

لا توجد البتة دلائل علمية على أزلية الكون، وكلّ النماذج الكبرى المطروحة فشلت في الوصول إلى الأزلية، وكلّ أمل في إنكار الأزلية لا بدّ أن يُثبت حاجة الكون أو الأكوان إلى مصمم عظيم.

الخيارات الممكنة المطروحة

لا يسمح لنا النظر في تاريخ الكون بأكثر من خيارين، إمّا القول بأزلية الكون، واستغنائه بنفسه عن الخالق (ولا يلزم من ذلك منطقيًا نفي الخالق عند كثير من الفلاسفة القدماء، لكنه يصادم عقيدة الإسلام في أنّ كلّ شيء في العالم مخلوق، وأنّ الله خالقه) أو القول إنّ الكون مخلوق، وهو ما يلزم منه الإقرار بالخالق.

يقول الفيلسوف الماركسي (جورج بولتزر) (George Politzer) الموالي للنموذج الأزلي للكون، في كتابه “مبادئ أساسية للفلسفة”: “ليس الكون شيئًا مخلوقًا، ولو كان كذلك فيلزم أن يكون مخلوقًا بصورة فورية من الله، ووُجد من لاشيء.”[86] إنّها حقيقة بدهية في التفكير الفلسفي السليم، وعلى المرء أن يستسلم لما يقود إليه الدليل!

قد يختار الملحد أن يفرّ إلى المجهول بالقول إنّ معارف الإنسان قد تتطوّر لتكشف أنّ الكون أزلي، وما العلم إلّا قول يعقبه تصحيح وتطوير إلى ما لا نهاية. والردّ عليه من أوجه:

1-دعوى الملحد السالفة ضد المنطق العلمي الذي يكثر فلاسفة الإلحاد من الدندنة حوله، فالملاحدة –مثلًا- تطوّريون بالضرورةِ في فهمهم لتاريخ عالم الأحياء، لأنّ إنكار التطوّر -باعتراف (داوكنز) وغيره- يعني الإقرار بدعوى التصميم الإلهي، لكنّ رؤوس الملاحدة ينكرون كلّ إمكان لفشل نظرياتهم التطوّرية، ويرون دعواهم العلميّة من الحق الذي لا يمكن نقضه، الآن وغدًا. والملاحدة بذلك انتقائيون في فهم تطوّر العلم، وقطعيّة أدلّته!

2-ليست الكشوف العلمية سواء، فمنها ما يحتمل إعادة النظر، ومنها ما لا يحتمل النقض، ومن ذلك القانون الثاني للديناميكا الحرارية الذي يقدّم حقائق كونية قاطعة، خاصة في تفسيره التحوّل من النظام إلى الفوضى والعشوائية.

3- إذا اختار الملحد إسلام أمره إلى كشوف غيبية قد تأتي وقد لا تأتي، مستسلمًا “لعلم الفجوات”، فعليه عندها أن يتحوّل من الإلحاد إلى اللاأدرية، فإنّ الإلحاد لا بد أن يكون عن سبب إيجابي، فهو عنوان رفض لا وجوم.

4-يبقى الدليل العقلي على خلق الكون قائمًا، وهو قاطع، ومستغن عن تطورات العلم.

  1. 13.7 بليون سنة هو قول عامة الكوسمولوجيين، وهو تقدير (وكالة ناسا) سنة 2012م، و13.8 بليون سنة هو ما قررته (الوكالة الأوروبية لأبحاث الفضاء) بعد تحليل المعلومات التي جمعها (مرصد بلانك) سنة 2013م.
  2. عبارة “فرقعة” أو “انفجار” فيها تجوّز لأنّه لا يمكن رؤية هذا الحدث من الخارج؛ إذ هو المكان ذاته متوسعًا بعد ذلك.
  3. 11 Alexandre Friedmann, “Über die Krümmung des Raumes,” in Zeitschrift Für Physik, 10. (1922), pp. 377–386.
  4. نشر (سلفر) مقدمة كشفه سنة 1912م: Lowell Observatory Bulletin, pp.2.56-2.57 .
  5. Stephen Hawking, A Brief History of Time (Toronto; New York: Bantam Books, 1988), pp.38 ff.
  6. George Gamow, “Expanding Universe and the Origin of the Elements,” in Physical Review, 70 (1946), pp.572–573; The Creation of the Universe (New York: Viking Press, 1961), p.50.
  7. Wilson and Penzias, “Isotropy of Cosmic Background Radiation at 4080 Megahertz”, in Science, 1967, 156 (3778): 1100–1101.
  8. قال (سموت) عبارته الشهيرة: “ما وجدناه هو برهان لميلاد الكون” “What we have found is evidence for the birth of the universe” (http://www.nytimes.com/2006/10/04/science/04nobel.html?_r=0).http://www.nytimes.com/2006/10/04/science/04nobel.html?_r=0
  9. John A. Wheeler, “Beyond the Hole,” in Some Strangeness in the Proportion, ed. Harry Woolf (Reading,Mass.: Addison-Wesley, 1980), p.354.
  10. Stanley L. Jaki, Science and Creation: from eternal cycles to an oscillating universe (New York: Science History Publications, 1974), p.347 (never secured “a single piece of experimental verification”).
  11. المصدر السابق.
  12. Hugh Ross, The Fingerprint of God: Recent scientific Discoveries Reveal the Unmistakable Identity of the Creator (Orange, CA: Promise Publishing, 1991), p.95
  13. Quoted by Fred Heeren, Show Me God (Wheeling, IL : Day Star Publications, 1997), p.156.
  14. Robert Jastrow, God and the Astronomers (Toronto: George J. McLeod, 1992,), p.116
  15. 27 Stephen Hawking and Roger Penrose, “Singularities of Gravitational Collapse and Cosmology,” in Proceedings of the Royal Society of London, Series A, 314 (1970), pp. 529–548.
  16. Hugh Ross, The Creator and the Cosmos, appendix
  17. Robert Jastrow, God and the Astronomers, p.16
  18. “The Big Bang model of the universe’s birth is the most widely accepted model”عن مقال بعنوان “Big Bang” لروبنز منشور على الموقع الرسمي لجامعة (Case Western Reserve):<http://burro.cwru.edu/stu/advanced/cosmos_bigbang.html> (10/5/2012)
  19. آمن (أينشتاين) بإله غير شخصي. وهناك نزاع في نسبته إلى مذهب (وَحدة الوجود).
  20. 20 Lincoln Barnett, The Universe and Dr. Einstein (New York: William Sloane Associates, 1948), p. 106.
  21. 15 Arthur S. Eddington “On the Instability of Einstein’s Spherical World,” in Monthly Notices of the Royal Astronomical Society, 90. (1930), pp. 668–678.
  22. Arthur Eddington, The Expanding Universe (New York: Macmillan, 1933), p.178 (The beginning seems to present insuperable difficulties unless we agree to look on it as frankly supernatural.)
  23. Quoted by Heeren, Show Me God, 157
  24. Robert Jastrow, God and the Astronomers, p.133
  25. Fred Hoyle, Astronomy and Cosmology: A modern course (San Francisco: W. H. Freeman, 1975), pp. 684–685.
  26. Stephen Hawking, A Brief History of Time A Reader’s Companion, eds. by Stephen Hawking and Gene Stone, (New York, Bantam Books, 1982), pp. 62-63.
  27. C. Isham, “Creation of the Universe as a Quantum Process” in R.J. Russell, W.R. Stoeger and G.V. Coyne, eds. Physics, Philosophy and Theology: A common quest for undestanding (Vatican City: Vatican Observatory, 1988), p.378
  28. John Maddox, “Down with the Big Bang.” in Nature 340, 1989, p. 425.
  29. “Hubble explores the origins of modern galaxies”. SpaceTelescope.org. August 15, 2013
  30. “The Genesis problem,” in New Scientist, issue 2847 , 13 January 2012

    <http://www.newscientist.com/article/mg21328473.500-the-genesis-problem.html#.VBaSGRt0zIU>

  31. أفضنا في عرض شهادات العلماء الملاحدة على أنّ (نظرية الانفجار العظيم) دالة على أن الكون مخلوق لا يستغني عن خالق لأنّنا لاحظنا أنّ من هواة الملاحدة من ينفي اقتضاء (نظرية الانفجار) وجود خالقٍ أبدع الكون.
  32. National Academy of Sciences, Teaching about Evolution and the Nature of Science (Washington, DC: National Academy Press, 1998), p.7.
  33. Lisa Grossman, Death of the Eternal Cosmos, in New Scientist. 1/14/2012, Vol. 213 Issue 2847, p.7
  34. Alexander Vilenkin, Many Worlds in One: The Search for Other Universe (New York: Hill and Wang, 2006), p.176.
  35. Arthur Eddington, The Nature of the Physical World (New York: Macmillan, 1928), p.74.
  36. Albert Einstein (author), Paul A Schilpp (editor), Autobiographical Notes )A Centennial Edition, Open Court Publishing Company, 1979(, p. 31.
  37. Paul Davies, The Mind of God: The Scientific Basis for a Rational World (New York: Simon & Schuster, 1992), p.46
  38. بول دافيز، الله والفيزياء الحديثة (تعريب: هالة العوري، دمشق: دار صفحات، 2013م)، ص22-23.
  39. Aron C. Wall, “The Generalized Second Law implies a Quantum Singularity Theorem,” < http://arxiv.org/abs/1010.5513v3 >.
  40. Stephen Hawking, A Brief History of Time, p.6
  41. Ibid., p.41.
  42. A. Borde, Guth and A. Vilenkin, Inflationary space-times are not past-complete, Phys. Rev. Lett. 90 151301 (2003), pp.1-4
  43. Ibid., p.1 .
  44. Paul Davies, The Mind of God, p.46.
  45. Roy Abraham Varghese, ed. The Intellectuals Speak out about God: A handbook for the Christian student in a secular society (Chicago, Ill. : Regnery Gateway, 1984), p.17
  46. Paul Davies, God and the New Physics (New York: Simon and Schuster, 1983), 20-24.
  47. Cliff Walker, ‘An Interview with Particle Physicist Victor J. Stenger’ (November 1999) <www.positiveatheism.org/ crt/ stenger1. htm>.
  48. Henry F. Schaefer III, “Stephen Hawking, The Big Bang, and God,” <http://globalwebpost.com/farooqm/study_res/hawking/schaefer.html>.
  49. Martin Rees, Just Six Numbers: The deep forces that shape the universe (New York: Basic Books, 2000), p.10.
  50. “Universe is flat with a ripple,” January 12, 2005 < http://www.theage.com.au/news/Science/Universe-is-flat-with-a-ripple/2005/01/12/1105423539638.html>.
  51. George Will, “The Gospel from Science,” in Newsweek, November 8, 1998.
  52. “Planck Reveals an Almost Perfect Universe”<http://www.esa.int/Our_Activities/Space_Science/Planck/Planck_reveals_an_almost_perfect_Universe>. Retrieved 1/19/2015 .
  53. “The standard model of cosmology remains an excellent description of the universe” <http://www.sciencedaily.com/releases/2015/03/150305110346.htm>.
  54. أفدت كثيرا في هذا الوجه من:William Lane Craig, Reasonable Faith (Wheaton, Ill.: Crossway Books, 2008), pp.125-150
  55. Hugh Ross, The fingerprint of God, p.97.
  56. تصريح مباشر من (فلنكن) للفيزيائي (جيمس د. سنكلير) (James D. Sinclair):William Lane Craig and J. P. Moreland, eds. The Blackwell Companion to Natural Theology, p.151.
  57. Joseph Silk, The Big Bang, (San Francisco: W. H. Freeman, 1989), pp.311–312.
  58. I. D. Novikov and B. Zeldovich, “Physical Processes Near Cosmological Singularities,” in Annual Review of Astronomy and Astrophysics 11 (1973): 401-402.
  59. John Barrow, The Book of Nothing: Vacuums, voids, and the latest ideas about the origins of the universe (New York: Pantheon Books, 2000), p.256.
  60. Stephen Hawking, A Brief History of Time, p. 132
  61. Arvind Borde and Alexander Vilenkin, “Eternal Inflation and the Initial Singularity,” in Physical Review Letters 72 (1994): 3305.
  62. A. Linde, D. Linde, and A.Mezhlumian, “From the Big Bang Theory to the Theory of a Stationary Universe’” in Physical Review D 49, 1994, 1783-1826.
  63. Ikjyot Singh Kohli and Michael C. Haslam, “Mathematical Issues in Eternal Inflation”, 2015 Class. Quantum Grav. 32. < http://arxiv.org/pdf/1408.2249.pdf >.
  64. Gary Felder, Andret Frolov, Lev Kaufman, and Andrei Linde,“Cosmology with Negative Potentials,” <http://arXiv:hep-th/0202017v2> (February 16, 2002)
  65. تصريح مباشر من (ستينهارت) للفيزيائي (جيمس د. سنكلير) (James D. Sinclair):William Lane Craig and J. P. Moreland, eds. The Blackwell Companion to Natural Theology, p.169.
  66. P. Steinhardt, and N. Turok, The cyclic model simplified, p.5 <http://physics.princeton.edu/~steinh/dm2004.pdf>.
  67. Christopher Isham, “Quantum Cosmology and the Origin of the Universe,” lecture presented at the conference “Cosmos and Creation,” Cambridge University, July 14, 1994.
  68. Stephen Hawking, A Brief History of Time, p. 139.
  69. John D. Barrow, Theories of Everything (Oxford: Clarendon, 1991), pp.66-67.
  70. Alexander Vilenkin, Many Worlds in One: The Search for Other Universes (New York: Hill and Wang, 2006), 182.
  71. David Park, “The Beginning and End of Time in Physical Cosmology,” in The Study of Time IV, ed. J. T. Fraser, N. Lawrence, and D. Park (Berlin: Springer Verlag, 1981), pp.112-113.
  72. Alexander Vilenkin, “Quantum Cosmology and Eternal Inflation,” p.11.
  73. Hawking and Penrose, Nature of Space and Time, p.20
  74. See Rodney D. Holder, God, the Multiverse, and Everything: Modern cosmology and the argument from design, (Aldershot, Hants, England; Burlington, VT: Ashgate, 2004), pp.60-61.
  75. Stephen Hawking, A Brief History of Time, p.146.

    وقد كرّر نفس هذا التعليق في كتابه الأحدث (Stephen Hawking and Leonard Mlodinow, A Briefer History of Time (New York : Bantam Books, 2005), p.103).

  76. Steven Weinberg, Facing up: Science and its cultural adversaries (Cambridge, Mass.: Harvard University Press, 2001), p.54.
  77. Lawrence Krauss, A Universe from Nothing: Why There Is Something Rather than Nothing (New York: Free Press, 2012), p.21.
  78. حرفيًا: “أنا أراهن على”. وتستعمل العبارة في اللسان الأمريكي بمعنى الوثوق في الأمر.
  79. “I’d bet our universe had a beginning, bet I am not certain of it. … based on the physics that I know, I’d say it is more likely possibility”. المناظرة مرئية هنا:https://vimeo.com/73280102للقراءة هنا: http://www.reasonablefaith.org/life-the-universe-and-nothing-has-science-buried-god
  80. Audrey Mithani and Alexander Vilenkin, “Did the universe have a beginning?” < arXiv:1204.4658v1 [hep-th] 20> Apr 2012, 5
  81. مقال بعنوان: “A Supersymmetric Universe?” على الموقع الرسمي للجامعة.<http://bama.ua.edu/~lclavell/pages/ssu.html> (10/5/2012)
  82. Message from Professor Robert Jastrow <http://www.leaderu.com/truth/1truth18b.html>.
  83. Alan Guth, “Eternal Inflation,” Cosmic Questions, April 14-16, 1999, National Museum of Natural History, Washington, D.C., p.13.
  84. Henry Margenau and Roy Abraham Varghese, eds. Cosmos, Bios, Theos, p.47
  85. Ibid., p.82
  86. George Politzer, Principes Fondamentaux de Philosophie (Paris: Editions Sociales, 1954), p. 84

© جميع الحقوق محفوظة لمبادرة البحث العلمي لمقارنة الأديان