“هو الله!” .. الجواب المعقد؟!

هل هناك أشدّ صممًا وعمى من ذاك الذي اختار بإرادته ألّا يسمع أو يرى؟

_ مثل إنجليزي

كان قول المؤمنين إنّ وجود الكون يقتضي وجود خالق له يواجَه مباشرة من طرف الملاحدة بسؤال معاكس: “… فمن خلق الخالق”؟! وقد أجاب المؤلّهة مرارًا وتكرارًا عن هذا السؤال، ولذلك طمح (ريتشارد داوكنز) أن يستنقذ التحدّي الإلحادي من الفشل، فأضاف إلى إلزام المؤلّهة بالتسلسل في الخلق، استبعاد أن يكون الله هو الخالق لطبيعة ذاته كما سيأتي.

اعتراض: “الجواب معقدٌ!”

كلما وُوجه (ريتشارد داوكنز) بالقول إن كل التقريرات والاحتمالات تميل إلى كفّة القول إن هذا الكون مخلوق لذات إلهية، وإنّ كل التفسيرات الأخرى قاصرة أن تشفي غليل من يبحث عن جواب يستوعب ضخامة أمر خلق العالم بإيجاده من العدم المحض وإحكام بنائه وإخضاعه لمنظومات من القوانين الطبيعية المتقنة والمعقدة، ردّ بأن هذا الجواب غير مقنع أو مرجوح لأنّ الإله “كيان أشد تعقيدًا من الكون”، وأنه من غير الصواب أن يُفسَّر المعقَّدُ بجواب أشدّ تعقيدًا منه. [1]

يعلن (داوكنز) أنّ حجّته غير قائمة على محض الذوق الشخصي وإّنما هي قائمة على (دليل اللااحتمالية) (argument from improbability)، وأنّها تنقلنا بصورة حادة من إشكالية الترجيح غير الحاسم إلى درجة عالية من الثقة في النتيجة المدركة! [2]

مارس )داوكنز) أسلوبه الساخر في الاستخفاف بمخالفيه، على طريقة “ضحكة الحصان” “horse laugh” -كما تسمّى في الأدبيات الغربية-، والتي لا تعدو أن تكون تحقيرًا لدعوى المخالف بافتعال الضحك الهستيري، متهمًا المؤمنين بالله بالكسل العقلي إذ إنهم قالوا إنّ الخالق هو الله، ثم توقّفوا عن السؤال، وبالإمكان –كما يقول (داوكنز)- أن يقول مخالفهم إنّ الحل هو الحمض النووي ثم يتوقّف عن أصل البحث، أو يقول هي الحياة ثم ينتهي عن النظر إلى ما وراءها. [3]

الاعتراض على الدليل الكوسمولوجي بدعوى تعقيد السبب الأول، والذي يعتبر مركزيًا في الحجة الإلحادية لـ(داوكنز)، هو اعتراض فلسفي من غير فيلسوف، ولم يكد يتجرأ على صياغته بهذه الصورة في ما أعرف فيلسوف معروف، رغم كثرة الفلاسفة الملاحدة الذين اعترضوا على الدليل الكوسمولوجي.[4] وهو اعتراض لا يدل على مقدرة ابتكارية (creativity) لـ(داوكنز)، وإنما يكشف ضعفه الفلسفي من جهة، وقيام منهجه الدفاعي على غير الدفع بلامنطقية الإجابة، وإنما بالإيهام أن إجابة مخالفيه تحتاج إلى إجابة.

وقد علق الفيلسوف الأمريكي الشهير (ألفن بلنتنجا) (Alvin Plantinga) على القيمة الفلسفية لما كتبه (داوكنز) في مراجعته النقدية لكتاب “وهم الإله”، بقوله: “رغم حقيقة أنّ هذا الكتاب فلسفي بالأساس إلّا أنّ داوكنز ليس فيلسوفًا (فهو بيولوجي). بل حتى لو أخذنا هذا بعين الاعتبار، فإنّه يبقى أنّ الكثير من الفلسفة التي يقدّمها هي في أفضل الأحوال ضحلة. بإمكانك أن تقول إنّ بعض تهجّماته على الفلسفة هي في أفضلها غير ناضجة، وإن كان في هذا الوصف ظلم لعدم النضج؛ إذ الحقيقة هي أنّ العديد من حججه تستحق علامة فشل مدرسية في حصّة فلسفة غير ناضجة. إذا جمعنا ذلك إلى لغة الكتاب المغرورة والمتعالية فسيكون الأمر مزعجًا.” [5]

بالإمكان ترتيب اعتراض (داوكنز) على الصورة التالية:

  1. يجب أن تكون تفسيرات الظواهر الطبيعية أقلّ تعقيدًا من هذه الظواهر نفسها.
  2. إله المسلمين والنصارى واليهود هو كائن معقّد، أكثر تعقيدًا من الكون.
  3. من المستبعد جدًا أن يكون هذا الإله هو الجواب عن وجود هذا الكون.

لتَبيّن صحة حجّة )داوكنز) علينا أن ندرس المقدمتين الأوليين لحجته، أي وجوب أن تكون الظاهرة الطبيعية أشدّ تعقيدًا من سببها، وأنّ إله المسلمين (وهو الذي يعنينا نحن) كائن معقّد، ولكننا سنبيّن فساد مقدماته بدءًا، لننتهي بعظيم تناقضاته.

الإشكال المعرفي في الاعتراض

كلّ قراءة منصفة لما كتبه )داوكنز) ستنتهي إلى أنّ زعيم (الإلحاد الجديد) لا ينطلق في منهج استدلاله من منطقة محايدة أو مبدأ لا خلاف حوله بينه وبين مخالفيه، وإنما يستبطن مبدأ يقرر أنّ التفسير الوحيد المسموح به لكلّ شيء في الكون هو التفسير الطبيعي، ولذلك فإنّه لا ينصف خصومه عند النزاع؛ إذ هو يلغي إمكانية التفسير فوق الطبيعي من قائمة الحلول الممكنة، وهو بذلك يفترض النتيجة في مقدماته المضمرة.

ويظهر هذا النزوع بشكل فاحش في مناقشاته لـ(برهان المعايرة الدقيقة للكون) (Fine-tuning of the universe)؛ إذ إنه لما أفلت هذا الإتقان الكوني من آليات الداروينية التي تقتصر على تفسير إتقان الصنع في الكائنات الحيّة على الأرض، اتّجه (داوكنز) إلى “الغيب المادي” يبحث فيه عن خلاصه، فقد أقرّ أنّه لا يوجد تفسير طبيعي للنِسَب الكونية الدقيقة والمذهلة التي تحكم العالم، غير أنّه دعا مع ذلك إخوانه الملاحدة إلى “ألّا يفقدوا الأمل”[6] في حلّ هذا اللغز المحيّر، ليضع مكان “أساطير المؤمنين” أحلام الملحدين.

وقد انكشف هذا الاضطراب أيضًا في ثنائه على كتاب زميله في الإلحاد (لورنس كراوس): “كون من لا شيء: لماذا هنالك شيء بدلًا من لا شيء”، والذي أُلحق بنهاية الكتاب، فقد وصفه (داوكنز) بأنه إنجاز علمي هائل في حجم “أصل الأنواع” لداروين، وهو وصف تبرّأ منه (كراوس) نفسه رغم عجرفته وغروره المعروفين.[7] وقد حاول (داوكنز) أن يفرّ إلى أي تفسير مادي لنشأة العالم ولو كان أضعف مما يتصوّره صاحبه، كلّ ذلك ليمنع إشراقة التفسير الإلهي من أن تلامس عقول الناس!

هل علينا أن نختار دائما الجواب الأقل تعقيدا؟

يحرص (داوكنز) في كتبه، ومحاضراته، ومناظراته، ولقاءاته الصحفية على تأكيد أنّ العلم قد حسم أمره في أنّ الجواب الأبسط هو الجواب العلمي الصحيح، وبنى على ذلك قوله إنّ القول إنّ الله –سبحانه- هو خالق الكون، باطل لأنّ الذات الإلهية أشدّ تعقيدًا من العالم. وعلى هذا التأصيل العلمي اعتراضات، ومنها الآتي:

الجواب القاطع، لا الراجح: يُبحث وجود الله أساسًا بالدليل القاطع لا الدليل الاحتمالي، إذ هو -سبحانه- “واجب الوجوب” عند من يرون وجوده من عقلاء المؤمنين؛ فوجوده ضروري ليستقيم فهم العالم. ويمتنع على العقل إنكار وجوده، فلا يُقال إنّ وجوده “ممكن” حتى يستبيح العقل القول بترجيح وجوده على عدمه.

دليل الاحتمال، ومعرفة المحتَملات: إقحام قانون الاحتمال والترجيح عند الحديث عن وجود الله لا معنى له؛ إذ إنّ من ضروريات الترجيح امتلاك معلومات بيانية (data) واضحة عن المرجّح بينهما، على أن تكون هذه المعلومات البيانية مفيدة في المقارنة، وتحديد النِسَب، وليس في صنيع (داوكنز) ما يفيد امتلاكه لهذه المعلومات عن الإله، وقد اكتفى بالإشارة إلى أنّ عظيم قدرة الله وعلمه يكفيان لمعرفة أنّ وجوده هو الأقلّ احتمالًا، وهذا غير دقيق، لأنّ الماورائي لا يمكن تحويل حقيقته إلى لغة الأرقام الإحصائية، فإنّ ما يحصى ويوزن هو ما كان من صميم عالمنا، وهو ما أدركه عدد من المؤلّهة الذين يرون نجاعة الدليل الترجيحي، فقارنوا لذلك بين الصدفة، أو العشوائية أو التطوّر العفوي من جهة، والإبداع الموّجه من جهة أخرى، أو ما يُعرف بـ(الخلق الذكي)، وليس بين الصدفة وأشباهها من جهة والذات الإلهية من جهة أخرى. وقد أدّت إحصائياتهم إلى سقوط عقائد (داوكنز) ومدرسته في امتحان الرياضيات.[8]

اشتراط تفسير للتفسير: يتّفق المتخصصون في فلسفة العلوم أنّ الجواب الصحيح الذي يفسّر ظاهرة ما، هو الذي يُقنع في بيان واقع الظاهرة أو نشوئها، ولا يُشترط أن يكتشف العلماء تفسير طبيعة التفسير لأنّ ذلك سيقود إلى سلسلة لامتناهية من التفسيرات بما يجعل العلم بالشيء قائمًا على محال لا يتحقّق، لاشتراطه تفسير كلّ تفسير إلى غير أوّل! فعِلمنا –مثلًا- باكتشاف آلة دقيقة الصنع موجودة على القمر يقتضي بلا خلاف أنّ من صنعها هو كائن يتمتّع بصفة الذكاء، ولا يلزم لتفسيرِ ذلك تفسيرُ وجود هذا الكائن؛ فإنّ التفسير العلمي المرْضيّ يقف عند الجواب الأوّلي المقنع دون التزام البحث عن تفسير للتفسير، وكذلك وجود الله، فالعلم بأنه لا يمكن لهذا الكون إلا أن يكون صنعة كائن غير مادي ولامتناهي الحكمة، حجّة لا تنقضها دعوى وجوب تفسير وجود هذه الذات.

وممن اعترض على شرط (داوكنز) التفسيري، فيلسوف العلوم الملحد (بيتر لبتون) (Peter Lipton) الذي كتب قائلًا: “سؤال “لماذا” المستمر، هو سمة من سمات منطق التفسير الذي اكتشفه الكثير منّا كصغار، على حساب راحة آبائنا. أتذكّر بوضوح لحظة اتّضح لي أنه مهما كانت إجابة أمّي عن آخر “لماذا” أقولها، بإمكاني ببساطة أن أردّ بأن أسأل “لماذا؟” عن الجواب نفسه حتى تنفد أجوبة أمّي أو ينفد صبرها… ليس من الواجب أن تكون التفسيرات نفسها مفهومة؛ إذ بإمكان الجفاف أن يفسّر ضعف المحصول حتى لو لم نفهم لِم َكان الجفاف، وبإمكاني أن أفهم لِمَ لم تأتِ أنت إلى الحفلة إذا قلت إنّك كنت تعاني صداعًا شديدًا حتى لو لم تكن لديّ أدنى فكرة لِمَ أصابك صداعٌ، ويفسّر (الانفجار العظيم) (إشعاع الخلفية الكونية الميكروي) حتى لو كان (الانفجار العظيم) نفسه غير قابل للتفسير، إلخ… إنّ سؤال “لمَ؟” يُظهر حقيقتين هامتين، وهما أنّ التفاسير قد تترابط، وأنّ ما يُفسِّر غيره لا يحتاج هو نفسه إلى أن يُفهم.[9]

شرطُ “تفسير التفسير” يؤول إلى ألّا يُقَرّ بتفسير!

منطقية الشرط: ما هو الداعي منطقيًا أو منهجيًا للقول إنّ الجواب يجب أن يكون أقلّ تعقيدًا من المشكلة؟ لم يخبرنا (داوكنز) بمصدر هذا الإلزام المنطقي، ولا نجد في كتب المناطقة مثل هذا التقرير في كشف خلل التفكير العقلي السليم، كما أنّ البحث العلمي لا يفترض حجّة منهجية تقرّر فساد كلّ بحث معملي يكشف عن سبب علمي أعقد من نتيجته.

الجواب الذي يفرض نفسه: الإشكال الأبرز في دعوى (داوكنز) هو أنّه قد حوّل شرط “الحل الأبسط” الذي يفضّله البحث العلمي لتفسير الظواهر الطبيعية، من باب “الأفضليّة” إلى “الوجوب”.

إنّ البحث العلمي يبدأ من مبدأ يقرّر: “كن مع الدليل إلى حيث يقودك!”، ولذلك علينا ألّا نضيّق النتائج الممكنة بتوهماتنا أو أذواقنا، فإذا كان من طبيعة مبدأ العالم أن يكون معقدًا، لزمنا أن نقبل النتيجة، خاصة إذا كانت طبيعة الموضوع مختلفة عن عامة مسائل السببية من حيث الحجم.

شروط الجواب الصحيح: بيان السبب الحقيقي وراء وجود العالم ليس متعلقًا على الحقيقة بتعقيد الجواب، فليس التعقيد الأدنى هو الأكثر معقولية، وإنما لا بد من توفّر عدد من الشروط في الجواب حتى يكون جوابًا مرضيًا، فإنشاء العالم من العدم يحتاج إلى خالق غير مادي لأن المادة نشأت بفعله، ولأن من طبيعة المادة أن تكون مخلوقة. وهذا الخالق لا بد أن يكون صاحب “ذكاء”[10] خارق، لأن تنظيم العالم يحتاج ذكاءً خارقا .. إلخ. وفي حال فقدان الجواب قدرته التفسيرية فإنه سيكون عاجزًا عن إرضاء المتسائل عن أصل الكون، سواء كانت الأجوبة المقترحة بسيطة أم لا.

إنّ مطلب البحث العقلي والعلمي هو إدراك جواب السؤال بما يسفر عن السبب المطلوب معرفته وليس فكّ ألغاز سلسلة الأسباب إلى أوّلها، ولذلك اعترض الفيلسوف الملحد (غريغوري داوز) (Gregory Dawes) بشدّة على اعتراض (داوكنز) قائلًا: “يبدو أنّ (داوكنز) يفترض أنّ كلّ تفسير ناجح لا بدّ عليه أيضًا أن يفسِّر تفسيره، ولكنّ ذلك مطلب غير معقول؛ إذ إنّ العديد من تفسيراتنا الأنجح تثير ألغازًا جديدة وتقدّم لنا أسئلة جديدة تحتاج أجوبة.” [11]

بساطة الجواب وتعقيد لوازمه: يعترض الفيزيائي (جون بولكنغهورن) على دعوى (داوكنز) بقوله إنّ الممارسة العلمية مخبرة أنّ الكثير من الظواهر الطبيعية تُفسَّر بمعادلات بسيطة، كمعادلة (أينشتاين) التي من الممكن كتابتها على طابع بريد واحد، لكنّ لوازم هذه المعادلة معقدة جدًا يتيه العقل في فهمها وحصرها، وكذلك الأمر مع معادلة (ديراك). “وطبق “حجّة” (داوكنز)، علينا أن ننبذ معادلة (أينشتاين)، وقرينتها معادلة (ديراك)… لأنّ أي شيء يقدم مثل ذاك التفسير يجب أن يكون معقدًا للغاية وغير محتمل”![12]

الإشكال في تحرير لفظ: “بسيط“: مصطلح “بسيط” نفسه مشكل؛ إذ إن ما هو بسيط في تصوّر الفيلسوف قد يكون معقدًا في نظر الفيزيائي، وما هو بسيط في نظر البيولوجي أو الفيزيائي اليوم، هو معقد جدًا وأحيانًا أسطوري في نظر من عاشوا قرونا ماضية، ولذلك على المخالف أن يجعل للتعقيد معيارًا موضوعيًا لازمنيًا، وهو ما لم يفعله (داوكنز) على نحو دقيق.

جناية الحل الأبسط: المنهج التبسيطي في اختيار الجواب الأقل تعقيدًا بإطلاق هو الذي كان سائدًا في القرون القديمة، وهو الذي جعل الكثير من الفلاسفة والفلكيين يعتقدون أن الأفلاك العلوية تتحرك بقدراتها الذاتية لأنّ لها أرواحًا تؤثّر فيها وحتى في مصائر الناس، والتفسير الأبسط بإطلاق هو الذي أخّر اكتشاف قانون الجاذبية، وهو الذي جعل الأمراض تُفسّر بأثر الأرواح الشريرة. إن ترقّي معرفة البشر العلمية مشعر بالحاجة أحيانًا إلى اختيار الحل الأكثر تعقيدًا، وذلك بعد اكتشاف الترابط العظيم والمعقد لأجزاء الكون.

عندما يكون السبب أعقد من الأثر: لا وجود لأي إشكال منطقي أو علمي في أن يكون السبب أشد تعقيدًا من النتيجة، فتأليف كتاب أو صناعة بيت هما بدون شك أقل تعقيدًا من سببهما الذي هو الإنسان الذكي الذي عجز العلم إلى اليوم عن تفسير وعيه من ناحية بيولوجية.

إنّ كل أعمال الإنسان هي أقل تعقيدًا من الإنسان الذي يقوم بها، وكل أعمال الذكاء الإنساني ناتجة في أغلبها عن العقل الذي يعتمد على الدماغ،[13] والدماغ في جل وظائفه اليوم لا يزال غامضا لخفائه وتعقيده.

الجواب الأعقد للأثر الأبسط: الكيان المعقد قد يكون سببًا لا فقط لتفسير الكيانات الأقل تعقيدًا، وإنّما حتى الأمور التافهة الغبية، إذ لا يلزم من التعقيد أن ينتج شيئًا ذكيًا أو معقدًا، والفعل البسيط أو العشوائي للحيوان المعقّد دليل على ذلك.

عدم التلازم بين التعقيد والخطأ: حتّى لو قبلنا –جدلا- أنّ الله كائن “شديد التعقيد”، فإنّ ذلك لا ينفي أن يكون وجوده –سبحانه- التفسير الوحيد المعقول لوجود هذا العالم المدهش، لأنّ الجواب الأفضل هو –كما ينسب لـ(أينشتانين)-: أن يكون أبسط ما أمكن لا أن يكون الأبسط.[14] فالعالم الذي تبدو جميع جزئيات صنعه كمعجزات وخوارق، من الذرة المنظَمة بإدهاش، والمتحركة بإتقان، والمنتظمة بإبداع، إلى المجرة المتناغمة بإمتاع، المتآلفة بإغراب، يحتاج إلى تفسير يتجاوز المألوف، ويفوق العادة، ويخرق سُنّة الأجوبة الماديّة التقليديّة. وهو أمر يفهم منه (داوكنز) معنى “التعقيد”، ونفهم منه نحن معنى “الكمال” و”الجلال”.

هل “الله” كائن معقّد؟

أخطر في ما دعاوى (داوكنز) تضميناته التي لا يفصح عنها والتي يقيم عليها اعتراضاته، وهذا منبئ –كما أكّد ذلك كثير من الفلاسفة- عن بساطة تكوينه المعرفي وأسلوبه في المحاجّة، وإن كان صاحب أسلوب شائق في الكتابة، ومعدودًا بين علماء البيولوجيا (المتقاعدين). ومن هذه التضمينات:

مفهوم التعقيد: قد يتفاجأ القارئ إذا علم أنّ “الله” في تعريف (داوكنز) نفسه ليس “كائنًا معقدًا”، فقد قال (داوكنز) في كتابه: “صانع الساعات الأعمى” إنّ الشيء يكون معقدًا إذا كانت له أجزاء “مُرتبة بطريقة يبعدُ أن تنشأ فقط عن الصدفة”،[15] فكيف يكون الله في ظلّ هذا التعريف “كائنًا معقدًا”؟! إنّ الله ليس ماديًا، ولا مركبًا، ولا محتاجًا إلى بعضه أو غيره؟!

الله ليس ذاتًا معقّدة: حجّة (داوكنز) على تعقيد الذات الإلهية هي أنّ الله قادر على مراقبة كلّ شيء في هذا الكون الفسيح جدًا والتحكّم فيه، وأنه قادر على معرفة كلّ ما يجري في الكون -ولو كان في نفس اللحظة- من مشاعر وصلوات يقدّمها العباد.

يفترض (داوكنز) بذلك أنّ إله المسلمين (والنصارى واليهود) كائن شديد التعقيد؛ إذ إنّ كمال صفاته وعلمه بجميع خلقه واستجابته لدعائهم مع تفنّن حاجاتهم لا يمكن أن يكون إلا إذا كان القائم بذلك قد بلغ الغاية في التعقيد.[16]

لا ندري من أين استلزم (داوكنز) أن يكون كمال الربّ سببًا للقول بتعقيده إلّا أن يكون تصوّره للإله شديد المادية، فهذا الإله يحتاج إلى آلات للتفكير وإيجاد الحلول وتنفيذها. و(داوكنز) بهذا التصوّر ينسب إلى المسلمين وعامة المؤلّهة اليوم الإيمان بإنسان كبير، له دماغ ضخم، خلق العالم بعد جهد وتخطيط، وهو يراقب العالم بأكثر من عين وأذن!

ما يقوله المسلمون بعيد تمامًا عن زعم (داوكنز)، فهم يقرّرون أنّ الله –سبحانه- ليس كالبشر، وفوق تصوّرهم، فلا قياس هنا ولا تمثيل، وينكرون أن يكون الله معقدًا أو مركبًا لأنّ التعقيد والتركيب من علامات المخلوقين، وليس واجب الوجود كذلك.

الله الخالق -في المعتقد الإسلامي- ليس ذاتًا مادية؛ لتصريح القرآن أنّ الله –سبحانه- { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء}[17]، ولذلك قرر علماء الإسلام قاعدة في تصوّر كيفيّة الذات الإلهية، وهي قولهم: “كلّ ما خطر في بالك، فالله بخلاف ذلك”.[18] بل صرّحوا أنّ القول بالتركيب كفرٌ ومروق عن دين الإسلام، قال (ابن تيمية): “من زعم أن الرب مركّب مؤلف؛ بمعنى أنه يقبل التفريق والانقسام والتجزئة، فهذا من أكفر الناس وأجهلهم، وقوله شر من قول الذين يقولون: إن لله ولدًا”.[19]

ثمّ إنّ تصوّر أنّ الرب هو الذي خلق المكان والزمان يلزم منه ألا يكون متصفًا بالمكانية[20] والزمانية، أي إنه ليس داخل المكان وليس مبدوءًا بزمان، ولذلك فإنّ تصوّر أن يكون الإله أشدّ تعقيدًا من الكون المادي هو تصوّر مادي لذات مركّبة، وليس الأمر كذلك لتعالي الله –سبحانه- عن الماديّة والجسمانية.

التعقيد بالمعنى اللاهوتي إذن لا معنى له في لغتنا البشرية المحصورة ضمن نماذج الواقع المادي المتزمّن، ولم يأت (داوكنز) لاصطلاحه بشرح ضمن التصّور الديني للإسلام أو حتّى لليهودية والنصرانية.[21]

إنّ (داوكنز) يرى أنه لا يمكن أن توجد الحكمة المطلقة دون آلة للتفكير، ويرى في آلة التفكير تعقيدًا بالغًا، ونحن حتى لو سلّمنا جدلًا أنّ التفكير يستلزم عقلًا، إلّا أننا لا نردف ذلك بدعوى أنّ العقل في ذاته شيءٌ معقّد، بل العقل (ولا أقصد الدماغ؛ إذ الدماغ غير العقل) شيء بسيط، ومن أهم أدلّة ذلك أننا كبشر عقلاء نعيش وعينا كشيء واحد بسيط، لا كمجموعة تفاعلات متداخلة، فالوعي البشري يمثّل حقيقةً معيشية بعيدة عن كلّ معاني التركيب لأنه يعكس حقيقة الذات وتفاعلها مع الواقع في شكلٍ مجتمعٍ مع نفسه دون تفكّك. [22]

الدلالة الكبرى لهذا العالم المعقد هو أنّه صنعة إله عليم قدير، ولا يمكن أن ننكر هذه القدرة العظيمة (الواعية) بدعوى استلزامها لقدرة صانع آخر أوجد القدرة الأولى، وإنّما علينا أن نقرّر الحقيقة الكبرى للخالق الكامل في قدرته وعلمه، ثم ننظر في طبيعة الخالق كموضوع منفصل؛ فإنّ الحقائق لا تتعارض، وإنّما وظيفة العقل البشري أن يجمع بينها على نسق منطقي، كما عليه أن يتّهم نفسه بالعجز عن إدراك الصورة الكبرى الكليّة إذا كان اجتهاده الثاني قد خالف الحقيقة الواضحة التي أدركها في نظره الأوّل.

ورغم غرابة تصوّر (داوكنز) للذات الإلهية، إلّا أنّ من أَلِف كتاباته وتصريحاته يعرف أنّ معرفته بالكتب المقدسة والدراسات اللاهوتية لا تتجاوز بعض “الإكليشيهات” البائسة ذات الجرس العالي، والتي يهتزّ لها المتشنّجون من الموافقين والمخالفين. ويكفي الرجل بؤسًا أنّه القائل في “تغريدة” له: “لقد قلت في كثير من المرات إنّ الإسلام هو قوّة الشرّ الكبرى في العالم اليوم”،[23] رغم أنّه لولا جهود العلماء المسلمين –بتحضيض من قرآنهم الذي يأمرهم بالسعي في العلم وإعمار الأرض- لما استطاع أن يكتب تغريدته على كمبيوتر ساهمت الحضارة الإسلامية في التمهيد له منذ قرون في علوم الرياضيات والجبر. وإذا كان اللاهوتيون النصارى قد كلّوا من اتهامه بالجهل بالنصرانية، فماذا نقول نحن عن جهله بالإسلام وعقائده-إلّا ما تعرضه له قنوات الإسلاموفوبيا-!

الاستبطان المبدئي للرفض: الإشكال في طرح (داوكنز) هو الإيمان الأعمى بمادية العالم. وفي ظلّ هذه المادية لا مكان لحلّ يتجاوز ما هو مكون من مادة أو طاقة أو كليهما. وفي ظلّ هذا التصوّر لا يمكن للإله أن يكون حلًا لسؤال: “… فمن خلق العالم؟”.

القضية التي كان على (داوكنز) أن يناقشها في ظل قانون الاحتمال والترجيح –إن جاز مبدأ الترجيح أصلًا- هو أن يرجّح بين القول إن الله غير المادي هو الخالق، والقول إنّ الكون أزلي. وإذا ثبت له أنّ الكون ليس أزليًا، فعليه عندها أن ينتقل إلى نقاش ترجيح السبب المادي أو السبب غير المادي لنشأة العالم، لكنّ (داوكنز) اختار أن يحسم القول دون مناقشة أزلية العالم، ولا الانتقال بعد ذلك إلى نسبة وجوده إلى نفسه أو إلى سبب مادي أو غير مادي. باختصار، لم يعمل (داوكنز) في الحقيقة قانون الاحتمال أو الترجيح وإنّما اختار أن يحسم القول قبل أن يطرح كلّ الأسئلة الواجب طرحها، وقبل أن يعرض مؤيّدات كلّ فريق. ليس ما ادّعاه (داوكنز) ترجيحًا علميًا، وإنما هو في حقيقته اختيار عاطفي زاده اللهفة الحامية إلى مهرب.

القول بتعقيد الذات الإلهية كفر.

داوكنز، بين غموض معقول، وغموض متناقض

سُئل (داوكنز) في لقاء مع التلفزيون الأسترالي القومي سنة 2012م: “هل يمكن لشيء ضخم كالأكوان أن يوجد من عدم؟”، فأجاب بأنّ نشأة الكون من عدمٍ تخالف البداهة، ولذلك فهي شائقة. مضيفًا أنّ سَبَبَ وجود العالم يجب أن يكون شائقًا حتى يخلقه. كما أكّد على أنّ على هذا السبب أن يكون (غامضًا) (mysterious) ليتسبّب في نشأة الكون.[24] وبذلك يستعيض (داوكنز) بآلة الماديين “الغامضة” عن إله الميتافيزيقيين الذي يراه “غامضًا”، غير أنّ الإله الذي يرى (داوكنز) غموضه، تعضده دلائل العقل التي تقطع بوجوده، في حين أنّ غموض السبب المادي لنشأة العالم، والذي يبدو أنه التموج الكمومي الأوّل -لانتصار (داوكنز) لكتاب (كراوس)[25]-، ليس غامضًا، بل هو فاسدٌ، لما تقدم من قول في لاشيئية التموّج الكمومي الخالِق.

ولفضوليٍّ يريد أن يقترب من صفات سبب نشأة الكون كما هي في ذهن (داوكنز) أن يسأل: وما صفات هذا السبب؟

يأتينا الجواب بقلم الفيزيائي (جيرالد شرويدر) (Gerald Schroeder): “إنّ مفهومنا عن الزمن يبدأ مع خلق الكون، ولذلك فإنّه إذا كانت قوانين الطبيعة قد خلقت الكون، فإنّه يلزم من ذلك أن تكون هذه القوانين قد وجدت قبل الزمان؛ أي إنّ قوانين الطبيعة موجودة خارج الزمان. ما لدينا هاهنا هو إذن مجموعة قوانين غير فيزيائية تمامًا، خارج الزمان، خلقت الكون. قد يبدو هذا الوصف الآن مألوفًا، وهو قريب جدًا من المفهوم الكتابي لله: ليس بجسم، خارج الزمان، قادر على خلق الكون”![26]

وقد وقع (هاوكنغ) في مثل ما وقع فيه (داوكنز)؛ إذ زعم أنه يرى أنّ (نظرية أَم) (M-theory) قادرة على تفسير كلّ شيء في الكون. وذاك وهم، فبالإضافة إلى أنّ هذه النظرية المزعومة التي يتوحّد فيها مفهوم الكون ليست سوى أمنية علمية لم تستطع أن تجمع قوانين الكون كلّها في منظومة واحدة موحّدة،[27] تمثّل هذه النظريّة هروبًا شكليًّا من الإيمان بالله –سبحانه-، ولذلك كتب أحد الصحفيين البريطانيين المتخصصين في العلوم تعليقًا على كتاب “التصميم العظيم” (لهاوكنغ): “تمثّل قوانين الكم والفيزياء النسبيّة في هذا التأريخ المختصر جدًا للفيزياء الكوسمولوجية المعاصرة أشياء تحتاج إلى نظر ولكنّها مع ذلك مقبولة، وهي بذلك مثل المعجزات المذكورة في التوراة والإنجيل. تستدعي (النظرية M) شيئًا مغايرًا: محرّكًا أوّلَ، موجدًا، قوّة خلاقة … . ليس بالإمكان التعرّف على هذه القوة باستعمال آلات أو بتوقع رياضي مفهوم، وهي مع ذلك تتضمّن كلّ الاحتمالات. هي تملك الحضور الكلّي، والعلم الكلّي، والقدرة الكليّة، وهي سرّ عظيم. ألا يذكّركم ذلك بأحد؟!”[28]

ما إله (داوكنز) في صورته الكبرى إلّا إله المسلمين وأهل الكتاب، غير أنّ (داوكنز) لا يملك من الصبر –وربما الشجاعة- ليسير مع فكرته عن السبب الأول إلى آخر الطريق!

لا شكّ –مع ذلك- أنّ (داوكنز)، ومن سايروه أو شايعوه، يرون أنّ السبب الأوّل لا بدّ أن يكون ماديًا، مخالفين حقيقة أنّ القانون الذي يزعمون أنه أنشأ الكون ليس ماديًا، وهم بذلك على القول إنّ الكون قد خلق نفسه، وهو ما يكشف أنهم لم يفارقوا دائرة التخبّط المعرفي في فهم حقيقة الخلق والمخلوقية. يقول الفيزيائي الأمريكي (جورج إيرل ديفيس) (George Earl Davis): “إذا كان بإمكان الكون أن يخلق نفسه، فإنه يلزم من ذلك أنه يحمل في ذاته قدرات الخالق، الإله، وعلينا عندها أن نستنتج أنّ الكون نفسه هو الله، وبذلك لا بدّ من التسليم بوجود إله، ولكن على صورة خاصة للإله، بأن يكون فوق طبيعي (supernatural) ومادي. وأنا أفضّل الإيمان بإله خلق كونًا ماديًا متميّزًا عنه ولكنّه خاضع له.”[29]

لقد عادت الوثنية جذعة على يد (داوكنز)؛ إذ جعل (داوكنز) المادة (وقوانينها) آلهةَ القدرةِ والخلق والإبداع! قال تعالى: {أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُون وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيم وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُون وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُون أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُون إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُون}.[30]

الهروب من المعلوم إلى المجهول!

هل أجاب (داوكنز) عن سؤال: “… فمن خلق العالم؟” عندما قال بامتناع أن يكون الخالق هو الله لأن ذلك يقتضي أن يكون الخالق مخلوقًا هو أيضًا؟

من الواضح أنّ (داوكنز) قد أقام حجته الأولى ضد وجود الله على سؤال: “… فمن خلق الله؟”، لكنه للأسف قدّم اعتراضًا مبتورًا، إذ إنه كان عليه أن يرتّب على عجز المؤمن عن الجواب، فكرة تفيد في معرفة إن كان الكون مخلوقًا أم لا، لكنه لم يفعل ذلك، ولا ندري ما السبب! إنّ (داوكنز) غير معذور بالوقوف عند السؤال، وإنّما عليه أن يثبت أزلية المادة، كما أنّ عليه أن يبين بإطناب كيف استطاعت المادة أن تنشئ هذا الكون ذا التقادير المضبوطة، دون ذكاء؛ إذ لا تملك المادة العمياء ذكاءً ولا استشرافًا للمستقبل.

إن الاعتراض على الدليل الكوسمولوجي لوجود الله انطلاقًا من القول إنه يلزم من ذلك أن يكون الخالق مخلوقًا، لا يجيب بذاته على سؤال: “… فمن خلق الله؟”، وإنما يجعل سلسلة الخالقين غير متناهية، وهذا أولا، لا ينفي وجود إله مخلوق، وثانيًا، يحتاج إلى دعم فلسفي للقول إنه يمكن لسلسلة العلل أن تكون لانهائية.

وهكذا يفرّ (داوكنز) من حقائق الكون العقليّة والعلميّة كلّما ألزمه الواقع بغير ما يحبّ، وهذا هو دأب ملاحدة العصر، خاصة فرسان (الإلحاد الجديد) ومريديهم، فإنهم يتملّصون من إلزامات الحقائق المشهودة ويروغون عن قواطع الحقائق المعلومة، ويتوسّعون في تمجيد ظنونهم الحامية.

فللهروب من قانون الاحتمالات والترجيح الذي جعله عمدته لرفض الإيمان بالله، اختار (داوكنز) أن ينتصر لفرضية (الأكوان المتعددة) (multiverse hypothesis) وذلك حتى لا تكون النسب الدقيقة للمادة والطاقة وقوانينها الحاكمة للكون والتي تؤهّل أرضنا أن تكون صالحة للحياة، دليلًا على وجود مصمم حكيم؛ فوجود أكوان لانهائية أو فاحشة الكثرة ستجعل وجود هذه المعادلات الدقيقة ممكنة باعتبارها من الصدف السعيدة!

لقد أدرك (داوكنز) أنّه واقع في التناقض لا محالة إن أنكر وجود الله على أساس قانون الاحتمال والترجيح، وآمن في المقابل بالأكوان المتعددة التي لا يدلّ عليها دليل علمي واحد، فالتجأ إلى القول إنّ الأكوان المتعددة مهما بلغ عددها لا تزيد على أن تكون مجموعة هائلة لشيء بسيط، وهو الكون، في حين أنّ الله معقد بالضرورة، فالكون بسيط، لأنه ليس أكثر من مجموعة قوانين تحكم مادة وطاقة، في حين أنّ الله لا بدّ أن يكون على الأقل على نفس درجة تعقيد الكون الذي يعتبر وجوده مفسرًا له، كما أنّ (الذكاء) (intelligence) معقّد بطبعه! [31]

وفي قول (داوكنز) تناقضات ومماحكات واضحة، أظهرها أنه يرى انتظام مادةٍ وطاقةٍ بلا مبدأ ولا إرادة ولا هدف في كون منظم بديع، أمرًا يوافق التفكير العلمي الصارم، وينكر في ذات الآن كلّ الدلائل الفلسفية والعلمية لحدوث المادة، دون تعقيب، وهو نفسه الذي يرى العلم مفتاح فهمنا للعالم، والترجيح الاحتمالي حجّةً لحسم الأسئلة الوجودية الكبرى! فكيف هداه الترجيح لإنكار المعلوم المشاهد من خلق الكون وبديع تصميمه ليؤمن بنظريّة غيبيّة تمامًا زادها الأماني الحارة في عالم بلا إله؟! لماذا يهرب نبي الإلحاد إلى العشوائية عند مناقشة نشأة الكون وتصميمه، وإلى الزمن وطوله إذا عورض بأنّ التطوّر الدارويني هو حصيلة تجميع أخطاء جينية صدفوية؟! أمن العقل أن ينكر العقلُ الإلهَ الحكيم، ليقدّس إله الصدفة، أو الصُدَف؟! وكيف يخرج المعنى من رحم العشوائية؟ وينبت الذكاء في أرض العفوية؟!

وهل مجموع البسيط، بسيط ضرورة؟ هنا نرى (أغلوطة التركيب) التي تحدّثنا عنها سابقًا ماثلة أمام أعيننا، فالقول إنّ مجموع (الكون) البسيط بسيط، تنقضه معرفتنا بالكون، وأشيائه؛ فالكون من جهة ليس مجرّد تراكم لأشياء، وإنّما هو تراكم مادة وطاقة تحكمهما قوانين دقيقة، وتشابك القوانين لتعمل بانتظام هو مَصْدَرٌ لظهور التعقيد، وتعاظمه، وهو ما يعلمه كلّ من يعمل في حقل الإلكترونيات ودمج البرامج في بعضها وتطويرها، ومن جهة أخرى، فالمادة والطاقة لا تظهران إلا في أشكال، وهذه الأشكال تحتمل أعدادًا تكاد تكون لامتناهية، ولذلك فتجمّع المادة والطاقة لتشكيل شيء مفهوم، أو ناجع، أو جميل، هو انتقال من البساطة الأولى لعناصر الكون إلى تعقيد شكلها النهائي، فالإنسان مثلًا مكوّن من ذرات -لنفترض من أجل المحاجّة أنها بسيطة!-، وهذه الذرات تكوّن خلايا بشريّة مذهلة في تعقيدها، وتجمُّع هذه الخلايا على صورة مخصوصة يشكّل الإنسان الذي بلغ درجة من التعقيد لا تزال تستعصي على العلم في فهم جلّ جوانبها. فبساطة العناصر الأولى قد لا تؤول إلى بساطة الكلّ، لأنّ الكلّ ليس مجرّد تجميع بسيط للأفراد.

ثمّ إنّ نشأة الأكوان المتعددة الخاضعة للقوانين لا تستغني عن آليةٍ ذكية توفّر للوجود القدرة على البقاء ومقاومة العدم الحراري والاضطرب والتشويش والانقطاع، وتسمح لهذه الأكوان بالتكاثر والانتظام… وكلّ ذلك لا يستغني عن ذاتٍ قديرة حكيمة قائمة خارج المادة!

لم تظهر نظرية الأكوان المتعددة على الساحة العلمية – كما يقول الفيزيائي اللاأدري (بول ديفيس)- إلّا لتحلّ مكان مظاهر التصميم بردّ الأمر إلى الصدفة،[32] ولا يُخفي تشبّث (داوكنز) بها، حقيقة أنّها محض إيمانٍ معدوم الحجّة مردّه الظن المحض، أو في أفضل الأحوال مجرّد الإمكان دون حجّة مادية واحدة، ولذلك انتهى (ديفيس) إلى أنّ “نظريّة تقوم على عناصر هي بالأساس غير قابلة للملاحظة لا يمكن أن توصف بأنّها علميّة.” [33]

إنّه إيمان كافر بالملاحظة والتجربة، ولذلك قال عالم الكوسمولوجيا (جورج ف. ر. إليس): “الإشكال الأساسي لعالم الكوسمولوجيا مع نظريات تعدّد العوالم هو وجود أفقٍ للكون المرئي. والأفق هو حدّ المجال الذي يمكننا رؤيته؛ إذ إنّ العلامات المسافرة نحونا بسرعة الضوء (والذي هو متناهٍ) لم تأخذ وقتًا منذ نشأة الكون لتصلنا من مكان أبعد. كلّ الأكوان المتوازية تقع خارج أفقنا وتبقى خارج قدرتنا على الرؤية، الآن وأبدًا، مهما تطوّرت التكنولوجيا“.[34] وهي المعضلة التي تحرج رؤوس الإلحاد في الغرب، ولذلك اعترف عالم الكوسمولوجيا (مارتن ريس) -أحد أبرز أنصار الأكوان المتعددة- أنّ هذه النظريّة “تخمينيّة جدًا” “highly speculative”، وأنّ رأيه “ليس أكثر من حدس”![35] وكما قال الفيزيائي (جون بولكنغهورن) فإنّ التخمينات التي صنعت نظرية الأكوان المتعددة “ليست فيزياء، وإنما هي بدقة حرفية ميتافيزيقا. لا يوجد داع علمي مجرّد للإيمان بمجموعة من الأكوان“. [36]

إنّ هذه النظريّة التي تعلّق بها (داوكنز) لا تزن شيئًا في ميزان حجّة اللااحتمالية، فلا رصيد لها من الدليل الواقعي ولا العلمي النظري، وهي لا تحمل شيئًا مما يشترطه العلماء في النظرية العلمية الصحيحة أو الراجحة، فلا هي قابلة للتجربة، ولا هي تقدّم نبوءات من الممكن اختبارها، ولا تهبنا رؤية، ولا تطوّرًا تكنولوجيا. إنّها محض إيمان عجائزي، أو كما وصفتها (أمندا بيت) (Amanda Peet) -واحدة من أكبر أنصارها من علماء الفيزياء- بقولها عن نظرية الأوتار التي هي أهم نموذج للأكوان المتعددة بأنها “مبادرة قائمة على الإيمان” “faith-based initiative”.[37]

وهنا لنا أن نتساءل: آلله الذي أتقن كلّ شيء أم الأكوان المتعددة؟

يجيبنا الفيلسوف البريطاني (ريتشارد سونبرن) (Richard Swinburne) بأنه يجب علينا أن ننحاز إلى الجهة المقابلة لـ(داوكنز)، رغم أنه يوافق (داوكنز) على مرجوحيّة الجواب الأكثر تعقيدًا. فقد كتب: “من الجنون افتراض ترليونات الأكوان لتفسير خصائص كون واحد، رغم أنّ افتراض كائن واحد (الله) من الممكن ان يؤدّي المهمة بنجاح.”[38]

إنّ الهروب إلى الأكوان المتعددة على يد (داوكنز) وبقية العلمويين الذين يرون العلم المادي كأساس وحيد لتفسير العالم، مخالف لقاعدة من أهم القواعد التي أفادت في تطوّر المعارف العلمية، وهي ما يُعرف بـ(موسى أوكام) (Occam’s razor) -على اسم الفيلسوف المدرسي (ويليام الأوكامي) (توفي 1347م)-، والتي تقرّر وجوب الامتناع عن تقديم افتراضات أكثر لغيرِ ضرورة (pluralitas non est ponenda sine neccesitate)، فلا يفترض العالِم عناصر أكثر لمعادلته إلا إذا عجز عن حلّ المشكلة بعناصر أقلّ. وتقع نظرية الأكوان المتعددة ضمن منطقة المحظور هنا؛ إذ هي قائمة على افتراض عدد خرافي أو حتى غير متناه من الأكوان، لمجرّد تفسير المعادلات الكونيّة الدقيقة لكوننا دون ضرورة علميّة، وإنّما لمجرّد التخلّص من فرضيّة وجود إله كامل العلم والقدرة.

ومن الطريف أنّ (هاوكنغ) قد قرّر -لنفي الحاجة إلى استدعاء وجود الله- وجوب “استعمال المبدأ المسمّى بموسى أوكام، وإلغاء كلّ ميزات النظرية التي ليس بالإمكان ملاحظتها”،[39] لكنّ فريق الملاحدة يفرّ من نفس القاعدة إذا آلت إلى نفي اعتراضهم بالأكوان المتعددة على وجود الله!

إنّ هذه النظرية لا تحلّ مشكلة أصل قوانين كوننا المتقنة لأنّ الملحد إن قال إنّ قوانين كوننا تعود إلى قانون كليّ يحكم الأكوان بأجمعها، كما هو افتراض (مارتن ريس)،[40] فهو بذلك يرجع بالسؤال خطوة واحدة إلى الوراء، لا غير، وبدل أن نسأل: “من أنشأ هذه القوانين في كوننا؟”، سنسأل: “من أنشأ هذه القوانين في مجموع الأكوان المتوازية؟”، إذ القانون لم ينشأ إلّا عن قصد؟![41]

لا تجيب نظرية العوالم في ذاتها على سؤال: “ولماذا وُجدت الحياة؟!”، ولا على سؤال: “لمَ يوجد الإتقان البالغ في الكون، والذي يفوق الحاجة الأساسية في الحياة نفسها؟!”. إنّ وجود الحياة وبراعة الصنعة كما نراهما في كوننا دليل على وجود غاية، وليس في مجرّد وجود الأكوان المتعددة ما يحقق “الغاية” أو ما يحقّق ظواهرها.

تقف هذه النظريّة في مخاصمة مع أصول التفكير العلمي، وشروطه، وليست في حقيقتها إلا “تفكيرًا أُمنويًا” لا يصمد أمام أدنى اختبار، وذاك ما جعل عالم الفيزياء النظرية (أندري لند) (Andrei Linde) يقول بعد دفاع حار عنها: “بإمكان الواحد بسهولة أن ينسف كلّ شيء قلتُه الآن باعتباره تخمينات شاطحة (wild speculation)”. [42] إننا نعيش عصر انهيار الحواجز بين العلم الصحيح والخيال العلمي السادر!

إنّ ما نشهده في “عصر العلم” هو هروب متتال إلى عالم الغيب والفروض غير المجربة ولا المدركة، فرارًا من جواب واحد بسيط مُدلَّل عليه بالعقل، وهو وجود الإله الواحد الكامل:

لقد افترض الملاحدة أنّ هناك أكثر من كون فرارًا من دقّة موازين كوننا التي تصل إلى درجة الإدهاش بما لا يمكن أن يُعزى لغير “الذكاء” والقصد، ليكون بالإمكان وجود هذه النسب في عالم الأكوان المتعددة.

وأنكروا بشدّة فكرة الخلق الإلهي أو (الخلق الذكي) لأنّ “الحقيقة العلمية” لا بدّ أن تكون قابلة للدحض (falsifiable)؛ وليس مفهوم الخلق كذلك، لكنّهم عادوا فضجّوا من معيار (قابلية الدحض)، وعدّوه جناية على العلم وفلسفته عندما أرادوا الانتصار لدعوى الأكوان المتعددة؛ إذ إنّ دعواهم غير قابلة للدحض لعدم إمكان اختبارها.

وضاقت أنفسهم من غائية كلّ ما يحيط بهم من المادة وقوانينها، فقالوا إنّ الكون بأشيائه يسير من عبث إلى عبث، غير أنّهم لم ينقضوا غائية الكون بدليل مادي، وإنّما بنوا قولهم على غيبيات من الأزل.

وقالوا إنّ “الفلسفة قد ماتت” لما علموا أنّ التفكير العقلي الفلسفي ينقض شطحاتهم، زاعمين أنّ الحل هو في العلم المادي وحده! غير أنّ (هاوكنغ) نفسه صاحب العبارة السابقة أسّس مذهبه على فلسفة سمّاها (model-dependent realism)”، وخلاصتها أنّه لا معنى للحديث عن نموذج علمي واقعي (أي مطابق للواقع) وإنما العبرة بموافقة النموذج للملاحظ من الكون![43] فالعالِم هنا قد تخلّص من الرغبة في كشف الواقع، وإنما هو فقط طامح إلى أن توافق حساباته ظواهر الأشياء. ورغم هذا التواضع المعرفي العجيب إلا أنّ نظرية (هاوكنغ) عن نشأة الكون لا تطابق المشاهد من الكون بل هي قائمة على “زمن تخيلي” للهروب من المفردة التي يواجهها في كل حساباته الواقعية!

وقالوا إنّ الكون لا يشفّ عن غاية وراءه، مفترضين أنّ الكون أصمّ لا يَسمع، وأبكم لا يُسمع، وما هو إلا نثائر مادة وطاقة، غير أنّهم يجهدون أنفسهم للوصول إلى نظرية فيزيائية لكلّ شيء (Theory of Everything) بما يفترض أنّ الكون معقول، متناغم، وأنه مظهر رسالة كبرى لمعنى ممتع وشائق![44]

وافترضوا وجود زمان ومكان قبل (الانفجار العظيم)، وربما انفجارات أخرى، للهروب من أن يكون كوننا غير مسبوق بغيره، مما يلزم عنه أن يكون مخلوقًا لخالق غير مادي، رغم أنّ العلم لا يستطيع أن يرجع بأدواته إلى ما قبل (جدار بلانك) (Planck Wall)، أي الزمن 10-43 من الثانية الأولى من نشأة الكون.

ولما كذّبتهم الحفريات في محاولة إثباتهم أنّ كلّ الكائنات الحيّة تعود إلى (أصل مشترك) (Common descent) تطوّر عنه جذع، تفرّعت أغصانه إلى نطاقات، فممالك، فشعب، فصفوف، فرتب، ففصائل، فأجناس، فأنواع، بما هدّد صدق نظرية التطوّر، اخترع اثنان من علماء الأحياء القديمة، وهما (ستيفن ج. غولد) (Stephen J. Gould) و(نيلز إلدردج) (Niles Eldredge) نظرية (التوازن المتقطع) (Punctuated Equilibrium)[45] لتفسير أهم خصّيصتين لتاريخ الكائنات الحية كما تكشفها الأحافير، وهما (الاستقرار) (Stasis)، و(الظهور المفاجئ) (sudden appearance). فرغم أنّ هاتين الخصيصتين توافقان بدقّة مذهلة التصوّر الخلقي لا التطوّري، إلا أنّ فريقًا من الملاحدة[46] الصادقين مع أنفسهم في فهم حقيقة التراث الأحفوري لتفسير الظهور المفاجئ لأنواع الأحافير دون سلف وسيط، قد ارتأوا اختلاق نظرية تطورية بلا آلية ولا برهان تفسيري مقنع،[47] للخروج من تصوّر الإبداع الإلهي المباشر في الكون.

وقد استدلّ الملاحدة بالاختلاف بين الكائنات الحية للقول إنها قد تطورت عبر الزمن عن سلف واحد، ولما كشفت الحفريات عن كائنات حية لم تتطور على مدى عمرها الطويل جدًا، ومنها بكتيريا عمرها يقارب البليوني سنة، قالوا إنّ عدم تطوّرها حجّة أيضًا للداروينية لأنّه لا تطوّر إذا لم تتغيّر البيئة، دون دليل على أنّ البيئة لم تتغيّر أو أنّه يمكن للتطوّر أن يتجمّد مرة واحدة على هذا المدى الطويل،[48] رغم أنّ الكائنات الحيّة الأخرى عندهم مطواعة جدًا لحاجات البيئة إلى درجة أن يفارق الكائن الحيّ نوعه إلى نوع آخر في بضع ملايين من السنين أو دون ذلك.

والملاحدة قد وافقوا داروين قوله في “أصل الأنواع” إنّه لو ثبت ظهور وجود (أنواع) (species) من الكائنات الحيّة تنتمي إلى نفس (الأجناس) (genera) مرة واحدة دون سلف، فسيكون ذلك قاتلًا (fatal) لنظريتهم،[49] غير أنهم لما فوجئوا أنّ (الانفجار الكمبري) (Cambrian explosion) الذي جرى منذ قرابة 540 مليون سنة لا يخبرنا بظهور أنواع بصورة مفاجئة، بل يخبرنا بظهور (شعب) (phyla) –تمثّل أعمّ تقسيم للكائنات الحيّة بعد (الممالك)- مرّة واحدة، دون سلف، وهو ما قلب شجرة الحياة لـ(داروين) رأسًا على عقب، خرجوا علينا بدعاوى تبريرية تطعن في “أمانة” طبقات الأرض، رغم أنهم يقيمون دعاويهم على نفس الطبقات، ورغم أنّ كشوفات طبقة (ما قبل الكمبري) في الصين أثبتت “أمانة” طبقات الأرض.[50]

ولما اكتشف الملاحدة أنّ الخليّة الحيّة والحمض النووي على درجة هائلة ومذهلة من التعقيد، وأنّ التفسير الذي كان معروفًا في القرن التاسع عشر ساذج جدًا، حاول بعضهم الهروب إلى خارج الأرض بالقول إنّ الحياة قد جاءت من كوكب آخر على يد كائنات أخرى متطورة، وعلى رأس هذا الفريق، البيولوجي الملحد العنيد (فرنسيس كريك) (Francis Crick) مكتشف الحمض النووي.[51]

وهم الذين إذا قيل لهم إنّ الكثير من مظاهر الكون لا يمكن أن تفسّر إلّا بوجود ذات متعالية على المادة، بالغة القدرة والحكمة، قالوا إنّ ذاك ركون إلى الجهل لإثبات وجود الخالق وكسل ذهني يمنع العقل من المسير الجاد بحثًا عن الحق في مملكة المجهول، مقررين أنّ العلم سيكشف يقينًا في المستقبل عن تفسير مادي لها، غير أنهم هُم هُمُ أنفسهم من يستدلون بدعوى وجود (جينات كاذبة) (pseudogenespseudogenes) عاطلة لا تعمل لإثبات أنها من بقايا التاريخ التطوري، دون أن يمنحوا العلم حقّ الكشف عن وظائف لها في قابل الأيام![52]

إنّ العلم في كنيسة (الإلحاد الجديد) لا يُستدعى في النزاع مع عقيدة الإيمان بخالق مبدع، إلا ليكون شاهد زور، وزينة مجلس خامل.

هي إذن آفة الإلحاد الذي لا يصمد على مبدأ واحد في النظر، فهو تارة مادي -شديد المادية- إذا تعلّقت نفسه بالأسباب دون ما وراءها، وغيبي -مغرق في الغيبية- إذا كانت الصور المادية نفسها تشهد ضدّه ظاهرًا وباطنًا!

وقد يزيد الإلحاد في إسفاره عن سيولة قيمه، بأن يستعمل الحجّة لإثبات جوهر دعواه، غير أنّه يفرّ من نفس الحجّة، أو يخفيها، إذا كانت تهدم مبناه؛ ومن ذلك قول (داروين)[53] إنّه لا يُوثق في مقررات العقل الإنساني لإثبات وجود الله لأنّ المخ الإنساني ليس إلا حصيلة ترق مادي للكائنات الدنيا،[54] دون أن يسترسل (داروين) في الاستدلال بنفس هذه الدعوى بالقول إنّه لا يوثق في برهان العقل على صحة النظرية التطوّرية لأنّ آلة العملية العقليّة (الدماغ) من نتاج تطوّر مادي أعمى!

إنّه الكيل بمكيال الهوى والمنى. والحق ما قاله عالم بيولوجيا الأعصاب (كنان مالك) (Kenan Malik) بأنّ الاعتقاد أنّ ملكاتنا الإدراكية هي مجرّد حصيلة للتطّور يجعلنا في عجز عن معرفة صواب هذه الملكات من خطئها، وهو ما “يقوّض الثقة في المنهج العلمي [بأكمله]”.[55] وبعبارة الفيلسوف الملحد الشهير (توماس ناجل) (Thomas Nagel) في نفس هذا السياق: “قيام الفرضية التطوّرية نفسها على العقل، يجعلها تقوّض نفسها بنفسها”!![56]

يبدأ الإلحاد بشبهة، ثم ينتهي بشهوة، ولذلك فهو يبتدئ بالبحث عن الدليل لينتهي إلى معاندة الحقائق وتكلّف البديل.

داوكنز في مواجهة داوكنز

أبرز معلم من معالم خطاب (الإلحاد الجديد)، لغته التحقيرية وعباراته التسفيهية للمؤمنين بالله، ونِسبة ُكلّ من يؤمن بخالق إلى السذاجة أو الحماقة، فالدهرية عند هذا الفريق هي من القطعيات (وإن عبّروا عنها أحيانًا بلغة الترجيح)، غير أنّ الحوار المباشر معهم، والاسترسال في نقض دعاويهم المتهافتة كثيرًا ما يلزمهم بالإقرار أنّ الإيمان بالخالق ليس عقيدة مخاصمة للعقل. وهذا ما كان مع (داوكنز) نفسه.

فقد كتب عالم الرياضيات البريطاني (جون لنوكس)، صاحب أشهر المناظرات المشهودة مع (داوكنز): “في ضوء الوزن الكبير الذي أعطاه (داوكنز) “لتعقيد حجّة الله”، فوجئتُ بصورة بالغة -كما فوجئ آخرون- بإقراره العلني في مناظرة معي في (متحف التاريخ الطبيعي) لأكسفورد في أكتوبر 2008م أنّه بالإمكان إقامة الحجّة على وجود (إله ربوبي) (deistic god).[57] ورغم أنّه قد أشار إلى أنّه لم يقبل هذا الخيار، إلّا أنّ من المفاجئ أنّه قد ذكره أصلًا؛ إذ إنّه لا شيء بإمكانه أن يهدم حجّته أكثر من وجود إله ربوبي؛ فالإله الربوبي هو بالضبط كائن معقّد افتُرِض كتفسير نهائي لكونٍ أبسط منه”.[58]

وهنا نقف لنسأل: كيف يعترف إمام الملاحدة بإمكان إقامة برهان عقلي على وجود خالق، ثم هو يقود حملة عالمية للتخلّص من “خرافة” الإيمان بوجود خالق؟! إذا لم يكن هذا من صريح التناقض، فما هو التناقض؟!

هل ماتت الفلسفة، أم نُحِرَت؟

يقول تعالى: {وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُون}.[59]

يقف (الإلحاد الجديد) على الضفّة المقابلة لدعوة القرآن الإنسانَ- كلّ إنسان- إلى أن ينظر في الكون ويتّخذ من ذلك وسيلة للوصول إلى أعماق الحقائق الكونية، في دعوة لتجاهل المعلوم، أملًا في أن يكون الغيب حجّة على المشهود، فبإنكار مقررات العلم، والطمع في كون قبل الكون، وزمن قبل الزمن، وتطوّر سريع غير محفوظ للكائنات، بإمكان الملحد “العلمي” أن يقفز فوق أسوار معارف العصر ليصل إلى جحد الخالق، والستار التجميلي دائمًا هو: “العلم”!

حاول (داوكنز) أن يفرّ من ضلال النصرانية ودعاويها المنافية للعقل والمجافية للبداهة غير أنّه وقع في جنس ما استنكره، فقد نقل قول (مارتن لوثر) إنّ العقل هو العدو الأكبر للدين، وإنّه في صراع دائم مع كلمة الله الموحى بها، وقوله: “كلّ من يريد أن يكون نصرانيًا، فعليه أن يقلع عيني عقله”،[60] ثم وقع هو نفسه في ذات الجرم إذ رفع راية محاربة البرهان الفلسفي. وما الفلسفة بالمعنى الاصطلاحي في هذا المقام إلّا البرهان العقلي (في مقابل البرهان العلمي)، فشارك بذلك (لوثر) دعوته إلى قلع “عيني عقله” حتى يحقق إيمانًا بريئًا من شائبة الشكّ!

إنّ النصرانية لم تتفرّد بمخاصمة العقل، إذ يشاركها أنصار (الإلحاد الجديد) الأمر، فقد قرّر –(هاوكنغ)- أنّ “الفلسفة قد ماتت”،[61] والمقصود بالفلسفة ليس نسقًا ضيّقًا من التفكير العقلي المنهجي، وإنّما هي الفلسفة في تعريفها الأوسع أي: “دراسة الإشكالات القصوى والمجردة والعامة جدًا، والتي تتعلّق بطبيعة وجود الإنسان، ومعرفته، وأخلاقه، ووعيه، وهدفه”،[62] أو بعبارة مختصرة: التفكير العقلي في الإنسان، كحقيقة وغاية. وهذا المذهب فيه مصارمة للتفكير العقلي المجرّد، ومآله تحدّي مسلّمات عقلية تحت دعوى إمكانها علميًا، ولذلك كثرت الشطحات المتدثّرة برداء العلم في هذه الطائفة،[63] حتى آل الأمر ببعضهم إلى نسبة وعينا بالعالم المادي المحسوس إلى الوهم (illusion) المحض، والقول إن الزمن من الممكن أن يسير إلى الوراء. وفي شطحات أنصار نظرية الأوتار، وخاصة (ميتشيو كاكو) (Michio Kaku)، تعبير عن سفول العقل البشري عندما يُسلم فهمه معانيَ الوجود إلى خيالات علماء المادة، ولذلك لم يجد (مارتن ريس) حرجًا في القول –في مخالفة لدبلوماسية طبقته من كبار العلماء، والذوق الاجتماعي البريطاني العالي، وموقعه هو نفسه كملحد-تعليقًا على قول (هاوكنغ) إنّه لا حاجة لاستحضار الله لتفسير الخلق: “أنا أعرف (ستيفن هاوكنغ) جيدًا إلى درجة تسمح لي أن أكون على معرفة بأنّه قد قرأ القليل جدًا من الفلسفة، وأقلّ من ذلك في اللاهوت؛ ولذلك فلا أعتقد أنّه علينا أن نعطي أي وزن لآرائه حول هذا الموضوع“![64]

لقد وجد كتاب “وهم الإله” حظوة لدى عوام الملاحدة الذين يبحثون عن قائد ملهم، وإمام معصوم يحمل راية العلم الطبيعي في مواجهة الخرافة، رغم أنّ رصيده الحقيقي لا يتجاوز اللغة الساخرة والعناد الظريف. وقد استشعر فريق من الملاحدة، أو قل من كبار الملاحدة، حرجًا شديدًا من انتشار هذا الكتاب، لقيامه على الإلحاح الطفولي في تكرار سؤال: “… فمن خلق الله؟” دون إحاطة أو إقرار بردود الإلهيين التي ألحقت هذه الشبهة بوساوس المراهقين قبل أن يشبّوا عن طوق تقليد الآباء والمدرّسين.

ومن هؤلاء الذين أفلت منهم زمام الغضب، الفيلسوف (مايكل روس) (Michael Ruse)، والمعروف بتخصصه في فلسفة العلوم ودفاعه المستميت عن الداروينية في كلّ محفل، وخاصة في مناظراته المكتوبة والمباشرة مع أنصار “الخلق الذكي”، وهو بلا شكّ أثقل وزنًا من (داوكنز) في الانتصار للآلية الطبيعية لنشأة العالم، وإن كان (داوكنز) أكثر منه ضجيجًا.

كتب (روس) في صحيفة (الغاردين): “لقد كتبتُ أنّ كتاب “وهم الإله” قد جعلني أشعر بالخجل كملحد، وقد قصدتُ ذلك. في محاولة لفهم كيف من الممكن أن يستغني الله عن سبب، يدّعي المسيحيون أنّ الله موجود بالضرورة (exists necessarily). لقد بذلت جهدي لأحاول فهم معنى ذلك. (داوكنز) وجماعته يجهلون مثل تلك الادّعاءات ويستهزئون بمن يسعون لفهمها، فضلًا عن الإيمان بها. وبالتالي، ومثل طالب جامعي في سنته الأولى، بإمكانه أن يسير بفخر بين الناس سائلًا غيره بصوت عال: “ما سبب وجود الله؟” وكأنّه حقّق كشفًا فلسفيًا عظيمًا.” [65]

هكذا هو (الإلحاد الجديد)، لا يصخي السمع إلا لصوته، ويسدّ الأذن عن حجج خصومه دون أن يتكلّف عرضها بأمانة. وهو ما فعله (داوكنز) بعرضه لأدلة الإيمان التوماويّة الخمسة[66] التي أُلّفت في الانتصار لها مصنّفات ضخمة، ولا تزال دور النشر تضخ المزيد منها، لكنّ (داوكنز) يصرّ على أنّ من أسباب النصر أن تصنع خصمًا من قش، ثم تُرديه صريع الموت بضحكة ساخرة شامتة.

  1. Richard Dawkins, The God Delusion, p.176
  2. Ibid., 109
  3. Richard Dawkins, The Blind Watchmaker: Why the evidence of evolution reveals a universe without design, (New York : Norton, 1996), p.141
  4. لا يعني ذلك أن (داوكنز) يحمل براءة اختراع هذه الدعوى، فقد سبقه إليها الكاتب (جورج سميث) (George Smith) في كتابه الإلحادي المعروف: “Atheism: The Case Against God ” والصادر قبل قريب من ثلاثة عقود من كتاب “وهم الإله”. ولا يمكن تصنيف (سميث) في طبقة “الفلاسفة”، وإن كانت له عناية بالفلسفة. وقد كتب (سميث) في كتابه قائلًا: “من صمّم الله؟ من المؤكّد أنّه لا يوجد شيء في مثل تعقيد الذكاء فوق الطبيعي من الممكن أن يكون نتيجة لمجرّد “صدفة”. ولذلك لا بدّ أن يكون هناك مصمم خارق صمّم الله، ولكنّ المصمم الخارق لا بدّ أن يحتاج إلى مصمّم خارق-خارق، هكذ إلى ما لانهاية. ولذلك، ومن خلال فرضيات الدليل الغائي أُوصلنا إلى سلسلة لانهائية من المصممين المتعالين (transcendental).” (George H. Smith, Atheism: The case against God (Buffalo, N.Y.: Prometheus Books, 1979), p.259
  5. Alvin Plantinga, The Dawkins Confusion: Naturalism “Ad Absurdum”, A Review of Richard Dawkins’s The God Delusion, in God Is Great, God Is Good: Why Believing in God Is Reasonable and Responsible, William Lane Craig and Chad Meister, eds. (Downers Grove, Ill.: IVP Books, 2009), p.248
  6. Richard Dawkins, The God Delusion, p.158
  7. Ross Andersen, “Has Physics Made Philosophy and Religion Obsolete?”. <http://www.theatlantic.com/technology/archive/2012/04/has-physics-made-philosophy-and-religion-obsolete/256203/ >.
  8. يَحسن بالقارئ أن يراجع في هذا الشأن مؤلفات عالم الرياضيات والفيلسوف الأمريكي (ويليام دمبسكي) (William Dembski)، ومن أهمها كتابه: “The Design Inference” (1998)..
  9. Peter Lipton, Inference to the Best Explanation (London; New York: Taylor & Francis, 2004), pp.21-22.
  10. نكرّر مرة أخرى أنّنا لا نصف الله –سبحانه- شرعًا “بالذكاء”، وإنّما نصفه بالعلم والحكمة، واستعمالنا للفظ الذكاء هو من باب المناظرة والتنزّل مع المخالف في استعمال العبارات التي تؤدّي الغرض في سياقه.
  11. Gregory W. Dawes, Theism and Explanation (London; New York: Taylor & Francis, 2009), p.16.
  12. J. C. Polkinghorne and Nicholas Beale, Questions of Truth: Fifty-one Responses to Questions About God, Science, and Belief (Louisville: Westminster John Knox Press, 2009), p.48.
  13. العقل هو عملية التفكير، وليس هو الدماغ المادي.
  14. Everything should be made as simple as possible, but not simpler.”
  15. Richard Dawkins, The Blind Watchmaker, p.7
  16. Richard Dawkins, The God Delusion, p.149
  17. [الشورى:11]
  18. قال الإمام (ابن قدامة): “ولا نشبهه بصفات المخلوقين ، ولا بسمات المحدثين ، ونعلم أن الله –سبحانه وتعالى- لا شبيه له ولا نظير { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير} [ الشورى : 11 ]، وكل ما تخيل في الذهن أو خطر بالبال فإن الله تعالى بخلافه.” (لمعة الاعتقاد، المملكة العربية السعودية: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، 1420هـ – 2000م)، ص12.
  19. ابن تيمية، مجموع الفتاوى، 5/321.
  20. لا يتعارض ذلك مع صفة العلو إذ لا يلزم منها الانحصار في مكان.
  21. إله النصرانية “معقّد” لا من جهة قدرته على الإحاطة بحال الخلق وتلبية حاجاتهم، وإنّما من جهة تشكّل واحديّته من ثالوث؛ فهو واحد مثلّث، لا يستغني بعضه عن كلّه، رغم أنّه كُلٌّ بلا أبعاض! فهذا الإله معقّد، مركّب، غير معقول!
  22. Robin Collins, “Hume, fine-tuning and the “who designed God?” objection,” in James F. Sennett and Douglas R. Groothuis, eds. In Defense of Natural Theology: a post-Humean assessment (Downers Grove, Ill.: InterVarsity Press, 2005), p.196.
  23. “I have often said that Islam is the greatest force for evil in the world today.”
  24. “Of course it’s counterintuitive that you can get something from nothing. Of course common sense doesn’t allow you to get something from nothing. That’s why it’s interesting. It’s got to be interesting in order to give rise to the universe at all. Something pretty mysterious had to give rise to the origin of the universe” (“Q&A)”.
  25. هذا مجرّد اقتراح، وربما كان (داوكنز) بلا خيار كوسمولوجي محدد، وإنما يقبل أيّ نموذج كوني يراه قادرًا على نفي الحاجة إلى خالق!
  26. Gerald Schroeder, “The Big Bang Creation: God or the Laws of Nature”. <http://www.geraldschroeder.com/BigBang.aspx> (8/28/2014)
  27. انظر Hannah Delvin, The Times, 4 september 2010
  28. Tim Radford, The Guardian, 18 September 2010.< http://www.theguardian.com/books/2010/sep/18/questions-life-cosmology-stephen-hawking>.
  29. George Earl Davis, “Scientific revelations point to God”, in The Evidence of God in an Expanding Universe: Forty Famous Scientists Declare Their Affirmative Views of God, John Clover Monsma, ed. (New York: Putnam, 1958), p.71.
  30. . [النحل: 17-22]
  31. Ibid., pp.146-147
  32. Davies, The Goldilocks Enigma (Boston: Houghton Mifflin, 2006), p.197.
  33. Ibid., pp.172-173
  34. George F. R. Ellis, “Does the Multiverse Really Exist?” in Scientific American 305 (August 2011), pp.40-41
  35. Martin Rees, Our Cosmic Habitat (Princeton, NJ : Princeton University Press, 2001), p.164
  36. John Polkinghorne, One World: The Interaction of Science and Theology, )London: SPCK, 1986(, p.80.
  37. <http://discovermagazine.com/2005/dec/reviews>.
  38. Richard Swinburne, “Design Defended,” in Think (Spring 2004): 17.
  39. Stephen Hawking, A Brief History of Time, p.57.
  40. Rees, “Numerical Coincidences and ‘Tuning’ in Cosmology,” 386.
  41. Paul Davies, “Universes Galore: Where Will It All End?”<http://aca mq.edu.au/PaulDavies/publications/chapters/Universesgalore.pdf>.
  42. Andrei Linde, Why Is Our World Comprehensible?<http://edge.org/responses/what-is-your-favorite-deep-elegant-or-beautiful-explanation>.
  43. Stephen Hawking and Leonard Mlodinow, The Grand Design, p.46.
  44. انظر هذا التناقض مثلا في كتاب لأحد كبار الفيزيائيين اليوم: Steven Weinberg, Dreams of a Final Theory (New York: Pantheon Books, 1992)
  45. Niles Eldredge and S. J. Gould, “Punctuated equilibria: an alternative to phyletic gradualism”, in T.J.M. Schopf, ed., Models in Paleobiology (San Francisco: Freeman Cooper, 1972), pp. 82-115.
  46. (غولد) من أشدّ خصوم فكرة الخلق لجاجة وإن كان لاأدريًا.
  47. Duane Gish, Evolution: The fossils still say No! (CA: Institute for Creation Research, 1995), pp.353-356.
  48. D. Netburn, “By not evolving, deep sea microbes may prove Darwin right,” in Los Angeles Times. latimes.com February 3, 2015.
  49. Charles Darwin, The Origin of Species (New York: Collier & Son, 1909), p.355.
  50. انظر الكتاب القيم: Stephen C. Meyer, Darwin’s Doubt: The Explosive Origin of Animal Life and the Case for Intelligent Design, (New York, NY: HarperOne, 2013).كما كشف العلماء مؤخرًا عن حفظ طبقة الكمبري لأدمغة مفصليات الأرجل (Arthropod) القديمة؛ فإذا هي أعقد من الجهاز العصبي لعدد من المفصليات اللاحقة، حتى قال هؤلاء العلماء بتقهقر الجهاز العصبي لـ (Brine shrimp) مثلًا، وهو ما يخالف (عقيدة التطوّر) التي تفسّر نشأة التعقيد في الكائنات الحيّة بالتطوّر من أدنى إلى أعلى لا العكس (Edgecombe, G. D., et al. (2015). Unlocking the early fossil record of the arthropod central nervous system. Phil. Trans. R. Soc. B. < http://rstb.royalsocietypublishing.org/content/370/1684/20150038>.).Edgecombe, G. D., et al. (2015). Unlocking the early fossil record of the arthropod central nervous system. Phil. Trans. R. Soc. B. < http://rstb.royalsocietypublishing.org/content/370/1684/20150038>.
  51. F. H. Crick, and L. E. Orgel, “Directed Panspermia” in Icarus (1973), 19 (3): 341–348.
  52. وقد ألزمت كشوفُ العلوم الملاحدةَ الاعتراف بحقيقة وظيفية هذه الجينات، انظر Yan-Zi Wen, Ling-Ling Zheng, Liang-Hu Qu, Francisco J. Ayala and Zhao-Rong Lun, “Pseudogenes are not pseudo any more,” in RNA Biology, Vol. 9(1):27-32 January, 2012
  53. وهو لاأدري، وقد استعمل الملاحدة نفس منطقه هذا.
  54. Letter to William Graham, July 3, 1881, in The Life and Letters of Charles Darwin Including an Autobiographical Chapter, ed. Francis Darwin (London: John Murray, Albermarle Street, 1887), I:315-316.
  55. Kenan Malik, “In Defense of Human Agency,” in Consciousness, Genetics, and Society (Stockholm: Ax:son Johnson Foundation, 2002).
  56. Thomas Nagel, The Last Word (Oxford: Oxford University Press, 1997), pp.135–136.
  57. أي خالق غير مهتم بأمور العالم.
  58. John C. Lennox, God’s Undertaker: Has Science Buried God? (Oxford: Lion, 2009), p.182
  59. [الأنعام:99].
  60. Richard Dawkins, The God Delusion, p.190
  61. Stephen Hawking and Leonard Mlodinow, The Grand Design (New York: Bantam Books, 2010), p.5.
  62. Jenny Teichman and Katherine C. Evans, Philosophy: A Beginner’s Guide (Oxford: Blackwell, 1999), p.1.
  63. انظر في الاستغلال الشاطح غير العلمي للعلم المعاصر، Alan D Sokal; J Bricmont, Fashionable Nonsense: Postmodern intellectuals’ abuse of science (New York: Picador USA, 1998).
  64. <http://www.independent.co.uk/news/people/profiles/martin-rees-we-shouldnt-attach-any-weight-to-what-hawking-says-about-god-2090421.html#>.
  65. Michael Ruse, “Dawkins et al bring us into disrepute”, 2 November 2009. <http://www.theguardian.com/commentisfree/belief/2009/nov/02/atheism-dawkins-ruse>.
  66. Richard Dawkins, The God Delusion, pp.77-79.

© جميع الحقوق محفوظة لمبادرة البحث العلمي لمقارنة الأديان